ولد آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله في النجف الأشرف في العـراق في تشرين الثاني من العام خمسة وثلاثين، حيث كان والده آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله قد هاجر إليها لتلقّي العلوم الدينية، وأمضى مع أسرته فترات طويلة في الدرس والتدريس...
بدأ السيد فضل الله دراسته للعلوم الدينية على يد والده في التاسعة من عمره وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السادسة عشرة تقريباً، وتلقى علومه على يد كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال: المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي والمرجع الديني السيد محسن الحكيم، والسيد محمود الشاهرودي، والشيخ حسين الحلي (قدس سرهم)، وقد كان سماحته من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلمي في تلك المرحلة.وقد كان سماحة السيد فضل الله من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلمي في تلك المرحلة، ويُذكر في هذا المجال أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (ره) قد أخذ تقريرات بحث السيد فضل الله إلى السيد الخوئي لكي يُطلعه على مدى الفضل الذي كان يتمتع به سماحته، هذا الأمر الذي انعكس فيما بعد ثقة كبيرة من المرجع الخوئي تجاه السيد فضل الله، فكانت وكالته المطلقة له في الأمور التي تناط بالمجتهد العالم. کذلك عرف سماحته الانفتاح على قضايا المسلمين السياسية في وقت مبكر جداً، وقد كانا جنباً إلى جنب هو والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وذلك في الاهتمام بالحركة الإسلامية في العراق.
عاد السيد فضل الله إلى لبنان في العام ستة وستين، وكان مدركا منذ اللحظة الأولى لمجيئه أنه لا بد من العمل للإسلام في إطار مشروع متكامل رغم الصعوبات الكبيرة. و أصرّ سماحته منذ البداية على إقامة صلاة الجماعة في المسجد الصغير الذي بدأ يجد له أنصاراً يدعمونه ببعض المعونات (التبرّعات) التي كانت في يد الله تنمو، فيتّسع معها المسجد ليصبح مركزاً ثقافياً اجتماعياً يضمُّ إليه حوزةً علمية ومكتبة عامة وقاعة محاضرات وصفوف تدريس ومستوصفاً خيرياً وأسرة إسلامية جنينية هي "أسرة التآخي".
و شرع سماحته في بيروت بتدريس الخارج في حوزة المرتضى في دمشق/سوريا، في يومي السبت والأحد من كل أسبوع، يحضره العديد من طلاب العلم وأساتذة الحوزة، من العراقيين والخليجيين بشكل خاص، ممن هاجروا إلى الشام وأقاموا في جوار السيدة زينب(ع) وقد درّس سماحته في أبواب مختلفة من الفقه، وطبع من تقريراته كتاب "فقه الإجارة"، وفقه الشركة ، ويتابع حالياً التدريس في فقه مناسك الحج.
اختار آية الله فضل الله أن يبدأ خطواته الأولى في المشوار الطويل من منطقة "النبعة" حيث عمل على خطين: رعاية شؤون العامة من الناس، وتمتين علاقتهم بالاسلام. ولم تقتصر حركة السيد فضل الله على الساحة اللبنانية بل تعدتها الى مختلف دول العالمين العربي والاسلامي وبعض الدول الغربية حيث كانت له جولات على بعض تلك الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا شارك خلالها في مؤتمرات علمية عديدة..
لم تمنع الأحداث الأمنية التي عصفت بلبنان مع مطلع العام 1975م من مواصلة مهمته الدينية والانسانية من خلال اصراره على مواجهة كل التحديات دون ان يستسلم لمنطق الحرب حيث تعرض سماحته لعدد من محاولات الاغتيال ابرزها تفجير سيارة مفخخة بجوار منـزله في بئر العبد ذهب ضحيتها ما يزيد على المئة والخمسين بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، الا ان تلك المحاولات الفاشلة لم تنل منه او من عزيمته حيث كان لسان حاله دائماً: إنني قد نذرت نفسي للإسلام ولا عودة إلى الوراء حتى لو أدى ذلك إلى استشهادي.. عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كانت الكتلة الشابة من المتدينين الحركيين قد بلغت شأناً لا يستهان به، خاصة وأن هذه الكتلة التي نشأت وترعرعت في كنف سماحته، شكّلت النواة الأولى لهيئة دعم الثورة الإسلامية في إيران، حيث كان سماحته أول من دعا إلى التعاطف مع شعاراتها، وإلى ضرورة التفاعل مع قياداتها، وعلى رأسهم الإمام الخميني(قده)، دون تحفظات، باعتبارها البشارة والشرارة التي يمكن أن تتشكل على أساسها الجمهورية الإسلامية التي كانت محطّ تطلّع وآمال العلماء والشباب الحركيين في لبنان والعالم.
وأخذ سماحة السيد على عاتقه التنظير للاستراتيجيات الإسلامية للثورة، والتفاعل المنتج مع قياداتها، كما قام سماحته في هذا السياق بتلبية العديد من الدعوات التي وجهت إليه من قيادات الثورة الإسلامية، حيث كانت هذه اللقاءات مناسبات مثلى للتداول بشؤون الإسلام والمسلمين، وتدارس الخطط الكبرى للمشروع الإسلامي الذي راح يأخذ أبعاداً مميزة له انطلاقاً من الجمهورية الإسلامية في إيران.
وعلى المستوى الجهادي، فقد شرّع آية الله فضل الله العمليات الاستشهادية في لبنان لدحر الاحتلال الصهيوني، وفي فلسطين بمواجهة العدو الصهيوني ودعا إلى مقارعة الاحتلال الأمريكي في العراق إضافةً إلى إعلانه مبدأً سياسياً هاماً، وهو أنه يجب على المسلمين في كل الدول العربية التي تواجه الاحتلال والاستكبار، العمل على أن لا يستقر الاحتلال أو يشعر بالاسترخاء في أرض المسلمين فضلا عن تاكيده الدائم على ضرورة توحد المسلمين وعدم الانزلاق وراء الفتن المذهبية.
أولى سماحة السيّد اهتماماً كبيرا بالشان الاجتماعي للناس فاسس جمعيّة المبرات الخيرية التي تعنى بمتابعة اوضاعهم وقد توسعت هذه المؤسسة لاحقا لتشمل مناطق مختلفة من لبنان تحت ضغط الحاجة الاجتماعية هذا بالاضافة الى تاسيسه معهد الهادي للإعاقة السمعيّة والبصرية الذي يعد من المعاهد الأولى في الشرق الأوسط. لم يكن سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله يؤمن بوظيفة عالم الدين التقليدي الذي يجلس في بيته وينتظر الناس أن يأتوا إليه ليسألوه فيجيب، بل كان يحاول أن يستهدي حركة النبي (ص) والأئمة الهداة من أهل بيته(ع) في حركتهم المتنوعة في المجال الفقهي والأخلاقي والسياسي والثقافي والاجتماعي، حيث كانوا يجيبون على كل سؤال، وكانوا يناقشون الملاحدة والزنادقة، وكانوا يبدأون بالكلام من لا يسألهم، ويقتحمون كل ساحة ليقدّموا الإسلام إلى أصحابها، فكراً وعملاً وسلوكاً، ليرى الآخرون في الإسلام قاعدة للحياة كلها.
کان السید يرافق الناس في صلواتهم وصيامهم وحجهم، ويتقرب إليهم كما يتقربون إليه، ويحشر نفسه معهم كما حشروا أنفسهم معه
وانفتح سماحته على الإنسان كلّه في كلّ مشاكله وقضاياه
وأخذت الأبعاد الأخرى للدين، غير العقيدة والشريعة، مساحة كبرى في حركة سماحة السيد، فنظر إلى قضايا المسلمين بلحاظ البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني
تميّز سماحة السيّد (دام ظلّه) بتجربة فقهية وأصولية متميّزة جعلت منه مجدّداً في هذا العالم، متابعاً لمسيرة السلف الصالح من الفقهاء، وممهّداً الطريق نحو اجتهاد أصيل في فهم الكتاب والسنّة، وقد ساعده على ذلك فهمه العميق للقرآن الكريم، انطلاقاً من تفسيره "من وحي القرآن"، وذوقه الرفيع في اللغة العربية وآدابها، والذي يُعتبر الركن الأساس في فهم النصّ.
وهكذا كان سماحة السيد فضل الله في فترات حياته كلها منبراً للكلمة الحرة والصادقة ورافعاً لراية الإسلام التي طالما أوصى في خطبه ومحاضراته وكتبه بالحفاظ عليها وخدمة الإسلام بأشفار العيون التي وإن غفت فإن أثرها لن يُمحى من الضمائر أبداً...
انتهی/125