ولادتــــه ودراستـــه:
ولد الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني في مدينة تبريز الإيرانية في 25 صفر من سنة 1320م.
و بدأ دراسته مبكراً في أروقة المساجد وعلى يد نخبة من الشيوخ الأفاضل، فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم أتقن اللغة العربية وأجاد فيها.. شرع بعدها في دراسة علوم النحو والصرف والفقه والتفسير.. حتى وجد في نفسه القدرة وهو ابن العشرين سنة على تفسير الآيات القرآنية بثقة وإحكام، ونشرها. وعلى هذا قام بتفسير آية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الأعراف: 172).. برؤى جديدة عصرية نالت الإعجاب والتقدير.. (بدأ فيه بمقدمة علمية مسلّمة، ثم تكلم عن عالم الذّر، وإثبات الميثاق الأول بدلالة آيات الكتاب إضافة إلى تسعة عشر ومائة وثلاثين حديثاً. وبوصف أربعين منها بالصحة - الاصطلاحية - وأردفها بأقوال العلماء المختصين، وختمها بأشعار الأدباء العارفين، تبلغ مائة وخمسين صفحة..).
تفـــــاسيـــــره:
وإذ أثار تفسيره الدقيق اهتمام المفسرين والعلماء ونال استحسانهم ومباركتهم، مضى قدماً في مشروعه الهادف لتفسير ما غمض على الناس.. فأغنى المكتبة بعد ذلك بتفسير دقيق لآية (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) (غافر: 11). (وهو تفسير رائع لمؤلف شهداء الفضيلة) ، وأعقب ذلك بتفسيرين شاملين ومهمين هما تفسير آية (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً) (الواقعة: 7)، (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).
كتـبـــــه:
و بعد هذا المشوار عرّج الأميني على تأليف الكتب.. فشرع في أولها وكان بعنوان (رياض الأنس) في التفسير، حيث جمع فيه كل جهده المبذول سابقاً..
و بعد الانتهاء من كتابه الأول انهمك في تأليف كتاب يضم أسماء شهداء علماء الشيعة ونبذة من حياتهم ومؤلفاتهم، وذلك إثر استشهاد أحد أساتذته على أيدي مرتزقة النظام..
و لقد بذل الأميني جهوداً جبارة في إكماله وجمع مادته.. لكنه لم يستطع طباعته في إيران بسبب الرقابة الأمنية المشددة على دور المطابع. ومن أجل أن يرى كتابه النور، ومن أجل متابعة دراسته العلمية سافر إلى العراق وأقام في النجف الأشرف (وأخذ يحضر الدروس على السيد محمد الفيروز آبادي والسيد أبو تراب الخونساري وميرزا علي الشيرازي وغيرهم).
حيـاتـــــه في النجـــف:
و حين استقرّ به المقام في النجف قدّم كتابه (شهداء الفضيلة) إلى المطبعة سنة (1936م) الموافق لـ(1355هـ) بعد أن قدمه للعلامة الكبير آغا بزرك الطهراني للإطلاع عليه، وأفادته بملاحظاته القيمة.. و عن ذلك يقول آغا بزرك: (كتاب (شهداء الفضيلة) للفاضل العلامة الميرزا عبد الحسين ابن الشيخ أحمد الأميني التبريزي طبع سنة 1355هـ في النجف الأشرف وقد قرظته سنة 1352هـ، وكان يومئذٍ يسميه صرعى الحقائق.. كما صرحت بهذا الاسم له في إجازتي له التي سميتها بمسند الأمين في المشايخ الرجاليين، لاقتصاري فيه بذكر المصنفين في الرجال دون غيرهم من مشايخي. وقد فصلت هذه الإجازة في مشيختي التي سميتها بـ(الإسناد المصفى) المستخرج من مصنفي المقال وكلاهما مطبوعان) .
و كتاب (شهداء الفضيلة) أحد الكتب التاريخية الأدبية. وهو مبتكر في موضوعه ويتضمن تراجم شهداء علمائنا الأعلام من القرن الرابع الهجري إلى القرن الرابع عشر وهم مائة وثلاثون شهيداً.
و يقول الشيخ الأميني عن كتابه هذا: (بذلت في جمع شتاته الجهد وصرفت في سبيل ترصيفه الأوقات الثمينة من تأريخ الشهداء من علماء المسلمين الذين بذلوا مهجهم في سبيل الحقائق الدينية، أقدمه لطلاب الفضائل ورواد الكمال إحياءً لذكرى أولئك الكرام.. ولما كان العلماء المستشهدون في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة المقدسة قد دونت أخبارهم في المعاجم الكثيرة لأصحابنا وغيرهم.. ابتدأت في كتابنا هذا من شهداء القرن الرابع إلى العصر الحاضر.. وذيلت غير واحد من القرون ببعض مشاهير شهدائنا من الأعيان والسادة الفضلاء من لم يكن له شهرة علمية، ورأيت لذكرهم أهمية.. ) .
و بعد النجاح الذي حالف كتابه هذا أصدر الأميني في النجف بعد سنة واحدة أي في سنة (1356هـ) كتاب (كامل الزيارة) لمؤلفه جعفر محمد مولوية المتوفى (367هـ).. تصحيحاً وتعليقاً..
و يقول خير الدين الزركلي عن الأميني: (مؤرخ أديب من فقهاء الإمامية مولده ووفاته بإيران.. نشأ وأقام بالنجف وأسس فيها مكتبة (الإمام أمير المؤمنين) العامة.. وصنف كتباً مطبوعة منها (شهداء الفضيلة) و(الغدير) و(أدب الزائر) و(رياض الأنس) في التفسير و(سيرتنا وسنتنا)، له الفضل في تأسيس مكتبة أمير المؤمنين العامة في النجف).
المكتبــــة الـعـــامـــة:
و لقد وجد الشيخ الأميني حاجة النجف مدينة الأدب والعلم والثقافة والدين لمكتبة عامة، ليستفيد منها طلبة الحوزة الدينية والدراسات العليا والباحثين والعلماء.. فسعى لإنشاء مكتبة أمير المؤمنين العامة.. صرف عليها من ريع كتبه وبالتعاون مع بعض العلماء الأفاضل، الذين باركوا عمله الإنساني الثقافي، وشجعوه على ذلك وأخذوا بيده.. ومدّوه بالمال والكتب، حتى كوّن بعد وقت قصير مكتبة ضخمة تفخر بها المدينة.. (من مآثر الأميني إنشاؤه المكتبة الكبرى في النجف الأشرف التي سماها مكتبة أمير المؤمنين، جمع فيها ما يقارب من أربعين ألف كتاب بينها مئات المخطوطات.. وجعلها مكتبة عامة وقد صادرها النظام العراقي فيما صادر من دماء الناس وحرياتهم وكراماتهم ومكتباتهم وأموالهم) .
و مع انشغاله في إنشاء المكتبة العامة وتجهيزها وإعدادها لاستقبال الزوار.. لم ينقطع الشيخ الأميني عن التحقيق والتأليف والبحث.. فأصدر عام (1362هـ) المصادف لـ(1943م) كتاب (أدب الزائر لمن يمّم الحائر) في النجف الأشرف..
كتـــاب الغــديــــر:
و في تلك الأثناء اختمرت في رأسه فكرة (المشروع الكبير) ( وهو كتاب الغدير في عدة مجلدات جمع فيها كل ما يتعلق بيوم غدير خم من حديث وشعر، وترجم فيه لشعراء الغدير.. وكتاب (شهداء الفضيلة) وقد نقل الكتابين إلى اللغة الفارسية) .
و ذكر كوركيس عوّاد: (الغدير في الكتاب والسنة بأحد عشر جزءاً بدأ الأميني في إصداره من سنة (1364-1372هـ) (1945-1953م) ) .
و يعتبر كتاب (الغدير) سفراً قيماً أنجزه الشيخ الأميني، وكلمة عذبة أطلقها ولفظاً جميلاً عبر به عن الحق الساطع.. تناول فيه وقفة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الخالدة بعد حجة الوداع..
و لقد قام الأميني بأكبر جهد علمي في تأليف موسوعته العلمية الفنية والأدبية والتاريخية والحقيقة الخالصة المجردة من الشوائب والأكاذيب والنفاق والدجل.. فهو لم يكتف بإثبات حديث الغدير سنداً ودلالة، كتاباً وسنة وأدباً.. ولم يقصر بحثه على ذكر الصحابة والتابعين الذين رووا هذا الحديث، والعلماء الذين تناقلوه في مجاميعهم الحديثة، وعلى مر القرون والشعراء الذين حامت أشعارهم حول هذا الموضوع، بل ضمنه تراجم لحياة أمة كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب (تراجم مفصلة تفصيلاً كاملاً وافياً حتى يمكن اعتبار الترجمة الواحدة كتاباً كاملاً قائماً بذاته عن هذا الشاعر أو ذاك) .
ليس هذا فحسب؛ وإنما أودع موسوعته الكبرى تحقيقات علمية نادرة وسبراً في أغوار التاريخ، وكشفاً لزيف كثير من المؤرخين، مما جعل أنظار الباحثين، توجّه إلى هذا السفر العظيم، ونفوس العطاشى تتوق إلى هذا الغدير العذب، تنهل منه وترتوي..
(كثيرون هم الذين كتبوا في (الإمامة) و(المذهب) لكن من حلّق منهم في أعلى المستويات نادرون.. ومن كتب له الخلود ولأفكاره وكتاباته الجدّة والمجد رغم مرور الأيام والأعوام قليلون..
من