نسب السید الشهید و ولادته
لآل الصدر شجرة نسب تتصل بالامام موسی بن جعفر (ع) ، و منه إلی رسول الله (ص) ، یتوارثها رجال الأسرة بعنایة و دقة ، ومما یمیز هذا النسب أنّ السید الشهید یتصل بجدّة الإمام موسی بن جعفر(ع) إمّا بمجتهد أو عالم فاضل ، فكلّ هذه الأسرة علماء أفاضل أو مراجع كبار . و هي میزة فریدة قلّما تتوفّر لأسرة من الأسر.
نسبه (رحمة الله علیه):
شهیدنا العظیم آیة الله العظمی السید محمد باقر الصدر .
ابن السید حیدر ، بن السید إسماعیل ، بن السید صدر الدین ، بن السید صالح ، بن السید محّمد ، بن السید إبراهیم شرف الدین ، بن السید زین العابدین ، بن السید علي نور الدین ، بن السید حسین ، بن السید محمد ، بن السید حسین بن السید علي،بن السید محمد ، بن السید تاج الدین ، بن السید محمّد ، بن السیّد عبدالله ، بن السید أحمد ، بن السید حمزه ، بن السید سعد الله ، بن السید محمّد ، بن السید علي ، بن السید عبدالله ، بن السید محمّد ، بن السید طاهر ، بن السید حسین ، بن السید موسی، بن السید المرتضی ، بن الإمام موسی بن جعفر(ع).
ولادته (رحمة الله):
في كنف جدّه الامام موسی بن جعفر (ع) في مدینة الكاظمیة ولد شهیدانا الصدر یوم (25) ذي القعدة عام (1353ه = 1934م).
و هذا الیوم من الأیام المباركة ، لما ورد من أنّ فیه دحیت الأرض ، و في لیلته ولد إبراهیم الخلیل و عیسی بن مریم (ع) و شاء الله عزّوجلّ أن یعدّ هذا الولید المبارك إعداداً یؤهله فیه؛ لیكون أمیناً لرسله و حصناً لشریعته ، و مثلاً أعلی و قدوة صالحة لعبادة ، و لیحمل من الآمال و الطموحات و الهموم ما هي بحجم هموم الأنبیاء ، و یسیر علی خطّهم و خطِّ خاتمهم محمّد (ص) .
والدة السیّد الشهید الصدر:
و أمّا والدته فهي العابدة التقیّة الصابرة بنت المرحوم آیة الله الشیخ عبدالحسین آل یاسین، سلسلة الدین و التقی و العلم.
فأبوها هو آیة الله الشیخ عبدالحسین آل یاسین أحد أعاظم فقهاء عصره، المعروف بالزهد و العبادة و التقوی.
ولد في الكاظمیة ، تربّی في كنف جدّه المرحوم آیة الله الشیخ محمّد حسن آل یاسین، الذي كان من مفاخر علماء الشیعة ، و الذي أمضی الإمام صاحب الزمان (عج) نیابته عنه علی ما ورد في قصّة المرحوم الحاج علي البغدادي، المذكورة في مفاتیح الجنان في الصفحة(484).
أولاد الشهید الصدر:
خلّف السید الشهید الصدر ولداً واحداً، هو سماحة السید محمد جعفر الصدر (حفظه)، ولد في عام (1970م =1390هـ) و خلّف كذلك خمس بنات طاهرات نقیّات.
عبقریة المُبكرة:
و ممّا یروی في مجال عبقریّة السید الشهید الصدر (رضوان الله علیه) المبكرة ، أنّه (رحمة الله ) حینما بلغ العاشرة أو الحادیة عشرة من العمر وجد نفسه ـ داخل الأسرة ـ بین نزعتین متخالفتین تتجاذبانه نحو منحیین متغایرین في التخطیط لمستقبله، فمن جانب كانت والدته تحثّه علی الدراسة في الحوزة و اختیار حیاة الطلبة ، و من جانب آخر كان المرحوم السید محمّد الصدر رئیس مجلس الأعیان آنذاك یرغّبه في مستقبل یضمن فیه سعادة دنیاه و العیش في رفاه و دعة ، بعیداً عن حیاة الحوزة و ما یكتنفها من فقر وفاقه.
أمّا السید الشهید فقد وقف موقفا عملیاً حسم به ذلك التجاذب ، و أشعر تلك الأطراف التي تقاطعت رغباتها بمستقبله بواقع ما یطمح إلیه ، فقد أضرب تقریباً عن الطعام من دون إعلان ، و اكتفی من الطعام بقطعة صغیرة من الخبر یسدّ بها رمقه طوال اللیل و النهار.
بعد أیام أحسّ الجمیع ـ بالإضراب الهادیء ـ فسألوه عن السبب فقال : إنّ الذي یستطیع أن یعیش علی قطعة صغیرة من الخبز أیاما عدیدة قادر علی أن یستمر إلی آخر العمر كذلك، فأنا لا أخشی من الفقر و لا أخاف من الجوع .
و استطاع أن یقنع الجمیع بصواب رأیه بالالتحاق بالحوزة العلمیّة ، و الانخراط في صفوف ورثة الانبیاء رغم ما قد یواجهه من صعوبة الحیاة و جدب العیش فیها، و أثبت أنّ إرادته في اختیار هذا الطریق إرادة لا یزعزعها شيء.
و ممّا یجدر ذكره أنّ السید الشهید الصدر كان قبل أن یتفرّغ للدراسة في الحوزة العلمیة قد تعلّم القراءة ، و الكتابة ، و تلقّی جانباً من الدراسات الحدیثة في مدارس منتدی النشر الابتدائیة في الكاظمیة ، فكان رغم صغر سنّة موضع إعجاب الأساتذة و الطلّاب ؛ لما وجدوا فیه من ذكاء كبیر و وعي مبكر ، و نبوغ حادّ ، و قابلیّات عظیمة ، و مما یروی عنه في تلك الفترة ما كتبه الأستاذ محمد علي الخلیلي، الذي كان زمیله في الدراسة ، و نقله عنه سماحة السید كاظم الحائري (دام ظله ) في كتابه مباحث الأصول قال : (كانت تجمعنا به مدرسة واحدة و یفرقنا فارق السن و المرحلة الدراسیة ، إذ كان حینها في الصف الثالث الابتدائي ، أمّا أنا فكنت في السنة النهائیة من هذه المرحلة الدراسیّة.
و طبیعي ـ و للأمرین المذكورین ـ أن لا یكون اتصال مباشر ، و علی الرغم من ذلك فقد كان موضع اهتمامنا و محطّ أنظارنا نحن تلامیذ المدرسة صغاراً و كباراً ، كما كان موضع تقدیر و احترام معلّمیه ، و أكثر ما كان یلفت نظرنا هو اهتمام المعلمین به دون استثناء ، فقد كانت له شخصیّة ، تفرض وجودها ، و سلوك یحملك علی احترامه و النظر إلیه نظرة تختلف عن نظرتك لبقیّة زملائه.
كنّا نعرف عنه أنه مُفرط الذكاء و متقدّم في دروسه تقدماً یبزّ فیه زملاءه كثیرا، أو ندر نظیره ، و ما طرق أسماعنا أنّ هناك تلمیذاً في المدارس الأخری یبلغ بعض ما یبلغه من فطنة و ذكاء ، لذا اتخذه معلموه نموذجاً للطالب المجد و المؤدّب و المطیع.
فما من درس یمرّ بنا إلّا و كان حدیث المعلّم عنه یطغی علی ما یلقّننا من مادّة، و كان ذلك یزیدنا احتراماً له و إعجاباً به ، حتی أخذ بعض الطلبة یجهد نفسه في تقلیده في مشیته و في حدیثه ، و في جلوسه في الصف ؛ لینال ما یناله من احترام و إعجاب ، و قد بلغ احترام لمعلمیهم إن لم یتعداه أحیاناً ، فهم یتهیّبون التحدّث إلیه إلا إذا شعروا برغبة منه في الحدیث أو أن یكون هو البادیء في الحدیث.
و قد تجاوز هذا الإعجاب به و الحدیث عنه جدران المدرسة إلی الشارع و السوق و المدارس الأخری ، و في كل مكان ، حتی أنني فوجئت یوماً أن أبي یدعني إلی أن اقتدي به في سلوكي و في حدیثي مع الناس . و قد كان هذا شأن كثیر من الآباء مع أبنائهم لو أرادوا لهم النصح.
كان ینتحي زاویة من زوایا المدرسة انفرد هو بها و لم یقربها غیره احتراماً له ، و ذلك في كل استراحة بعد لك محاضرة في الصف، و كان یلتف حوله في تلك الزاویة عدد من أترابه التلامیذ و رفاق صفه أو في الصفوف الأعلی . كنا نراقب هذا الاجتماع و نرقبه و هو یتحدث إلیهم بهدوء ، و یلفه هدوء ، و یغطّیه سكون، و الكل صاغون إلی حدیثه ، ساهون مسحورون ، وقد أثارت فضولنا هذه الحالة و هذا الاجتماع ، فهممنا عدة مرات لأن ننضم إلیهم و لكن فارق السن ـ كما قلنا ـ كان یحول بین رغبتنا و بین تحقیقها.
و جاء ذلك الذي لم أنسه و لن أنساه ، كان یوماً جدیداً لم یمر بنا مثله حین طغت علینا غریزة حبّ الاطّلاع فاندفعنا ـ و كأننا مقادون ـ إلی حیث یعقد اجتماعه ، و انضممنا إلی الثلّة التي كانت تحیط به ، وقد كانت خطوتنا هذه مفاجأة له ، سكت عندها قلیلاً عن الحدیث ، و بعد أن ألقی علینا نظرات فاحصة كأنه كان یرید أن یقول لنا : هل أستمر في الحدیث ؟ و بعدها راح یواصل حدیثه ، حدیث لم نألفه من قبل ، فلا هو توضیح و شرح لما نأخذ من دروس عن أساتذتنا ، فقد كان حدیثاً تتخلله عبارات هي بالنسبة لنا غیر مفهومة أو صعب فهمها، و لأول مرة سمعنا فیها كلمة (الماركسیة ) و ( الامبریالیة ) و ( و الدیالكتیكیة ) و ( الانتهازیة ) ، و كلمات أخری أظنها كانت تعني أسماء لفلاسفة و علماء و شخصیات لم یحضرني منها سوی اسم ( فیكتورهوغو ) ، و ( غوته) و غابت عني أكثرها إذ مرّ علیها زمن طویل قارب الأربعین عاماً ، و لأنها كلمات كانت في حینها یصعب علینا نطقها و تلفظها ؛ كانت غریبة علینا جداً و لم نسمع بها أو بمثلها من الأسماء في كتبنا الدراسیة ، و لم نقرأ فیها إلا (أدیسون) و (نیوتن) ، و غیرهما ممن