وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

١٨ مارس ٢٠١٠

٨:٣٠:٠٠ م
173326

حیاة الشیخ المفید

هو محمّد بن محمّد بن النعمان... بن سعيد بن جُبير، ثمّ يصل نسبه إلى يَعرُب بن قحطان.. ويُكنّى بـ ( أبي عبد الله) ويُعرف بابن المعلِّم..، لأن أباه كان معلّماً بواسط و عرف  بالمفید أیضا.

أمّا ألقابه.. فكان بعضها نسَبيّ، وبعضها سكَنيّ، وبعضها علميّ. فما اشتهر منها: العُكبُريّ، والبغداديّ، والحارثيّ. ولكنّ الشهرة العلّمية هي (المفيد).

مولده ونشأته:

روي أنه ولد سنة 336 هجريّة، وقيل: سنة 338.

وقال الطهرانيّ: ولادته بقرية تُدعى (سويقة ابن البصريّ) تتفرّع عن عُكبرى شماليّ بغداد 11/ ذي القعدة، إمّا عام 338 هجريّة ـ كما ذكر ابن النديم (ص 197 من الفهرست) ـ فيكون عمره 75 سنة، أو عام 336 هجريّة ـ كما في رجال النجاشيّ ـ فيكون عمره 77 سنة.

كما روي إنّ الشيخ المفيد كان من أهل عُكبر، ثمّ انحدر ـ وهو صبيّ ـ مع أبيه إلى بغداد، واشتغل بالقراءة على الشيخ أبي عبد الله المعروف بـ (جُعَل). وكان منزله في (درب رياح) ببغداد، وبعد ذلك اشتغل بالدرس عند أبي ياسر في باب خراسان من البلدة المذكورة.

حیاته العلمیة

المقدّم في شتی العلم؛ الفقه و اصوله ، والقرآن و تفسیره ، و الحدیث و علومه ، و اللغة و آدابها ، والکلام و مسالکه ، والتاریخ و أیّامه ، حتّی عُرّف في مصادر ترجمته بأوحد عصره.

لم یترک بابا إلّا و صنّف فیه و أبدع ، فعلا صیته ، و امتدّت شهرته ، و تعاظم مجده، و عرف دائما بصاحب التصنیف البدیعة .

فکان له مجلس في داره بدرب ریاح یحضره العلماء کافّة للمناظرة علی ما حکاه  ابن الجوزي في المنتظم 8: 11.

أخذ العلم وروى عن جماعة من الأعلام، منهم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، وأبو جعفر بن بابويه الشهير بالصدوق، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد القمي، وأبو غالب الزراري، وأبو علي بن الجنيد، وأبو علي عبد الله محمد بن عمران المرزبان، وأبو بكر الجعاربي، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم.

تتلمذ على يديه جملة من الأعلام، منهم الشريف المرتضى، والشريف الرضي، والشيخ الطوسي، وأبو بعل محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، والشيخ النجاشي، وسلار بن عبد العزيز الديلمي، ومحمد بن علي أبو الفتح الكراجلي.

و عاصره من أئمة العلوم : القاضي عبدالجبّار ، و أبو بکر الباقلّاني ، و علي بن عیسی الرمّاني ، و أبو بکر الجعابي، و الثعالبي المفسّر ، و ابن الندیم صاحب الفهرست و طبقتهم.

قال الشیخ الطوسي إنتهت رئاسة الامامیة في وقته إلیه .

عصر زاخر بالحوادث والفتن:

زخر عصره بالأحداث والمحن، خاصة بالنسبة إلى الشيعة في الكرخ وباب الطاق في بغداد، حيث كانت هذه المواقع مسرحاً لكثير من الرزايا والبلايا، وقد تعرضت للحرق والنهب عشرات المرات، فضلاً عن قتل وحرق الرجال والصبيان والنساء، وذلك إبان الاحتفالات بعاشوراء أو يوم الغدير.

تعرض للنفي من بغداد على أثر حوادث شغب حصلت سنة 392هـ، حيث كان قد زاد نشاط الشطار، فقتلوا وبدّعوا وأضلوا، ما دفع بهاء الدولة إلى تسيير عميد الجيوش إلى العراق لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، فقتل وصلب، ومنع السنة والشيعة من ممارسة الشعائر التي تتسبب بحوادث الشغب، فمنع الشيعة من النوح على الحسين في يوم عاشوراء، ومنع السنّة من النوح على مصعب بن الزبير.

تعرض للنفي ثانيةً في سنة 395هـ، على أثر فتنة حصلت بين السنة و"الإمامية"، وتعرضوا له بالسب والشتم...

صفاته

کان الشیخ حسن اللسان و الجدل ، صبورا علی الخصم ، کثیر الحلم ، ظنین السر، جمیل العلانیة ، قوي النفس ، کثیر المعروف و الصدقة ، عظیم الخشوع ، کثیر الصلاة و الصوم ، یلبس الخشن من الثیاب و کان بارعا في العلم و تعلیمه ، مدیما للمطالعة و الفکر، و کان من احفظ الناس.

 

منزلته:

اتفق أهل العلم والاختصاص على رفعة شأنه وجلال قدره وعلوّ مقامه العلميّ.

قال الشيخ عبّاس القمّي: هو شيخ مشايخ الإماميّة، رئيس الكلام والفقه والجدَل، وكان يُناظر أهل كلّ عقيدة.

قال ابن كثير: إنه كان يُناظر أهل كلّ عقيدة بالجلالة والعظمة. وقال: كان يحضر مجلسَه خَلق كثير من العلماء من جميع الطوائف والمِلل.

ويقول ابن النديم .. بأنّه بارع مُقدَّم في صناعة الكلام (علم العقائد الإسلاميّة)، ثمّ قال فيه: في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه، مُقدّم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة.

وكان ابن النديم قد شاهَدَه في منتصف عمره ولم يكن الشيخ قد ألّف كلّ ما ألّف بعد.

 

مناظراته:

للشيخ المفيد مناظرات رائعة، ومحاورات جيّدة شيّقة أفرد لها الشريف المرتضى ـ وهو تلميذه ـ كتاباً ذكر فيه أكثرها، ومن جملتها ما أشار إليه العلاّمة الحليّ، كما ذكرها ابن إدريس في أواخر كتابه (السرائر).

وله محاججات مع عليّ بن عيسى الرمّاني.. انسحب فيها الرماني ودخل منزله، ومع القاضي عبد الجبّار كبير المعتزلة حتّى أسكته، فلم يكن منه إلاّ أن قال له: أنت المفيد حقّا! فلمّا همهم بعض المخالفين للشيخ قال القاضي لهم: هذا الشيخ اسكتَني، فإن كان عندكم جواب فقولوا حتّى أُجلسه في مجلسه الأوّل. فسكتوا وتفرّقوا، فوصل خبر المناظرة إلى عضد الدولة فأرسل إلى الشيخ المفيد وأكرمه غاية الإكرام.

 

مؤلفاتة:

للشيخ المفيد- أعلى الله مقامه - حوالي مئتي مؤلف في الفقه والعقائد والإمامة، وغيرها، نذكر نموذجاً منها:

له حوالي مئتي مؤلف، منها: المقنعة، والأركان في دعائم الدين، والإيضاح في الإمامة، والإفصاح في الإمامة، والإرشاد، والعيون والمحاسن، والفضول من العيون والمحاسن، والردّ على الجاحظ والعثمانية، ونقض المروانية، وأوائل المقالات في المذاهب والمختارات الرسالة العددية، الإعلام فيما اتفقت عليه الامامية من الأحكام،الأشراف في عامة فرائض أهل الإسلام،  تحريم ذبائح أهل الكتاب، الاختصاص، الغيبة (أربع رسائل)،  مسألة في إرادة الله، المسائل العشر في الغيبة، المسائل الصاغاتية، التذكرة أصول الفقه.

ونظرة سريعة على مؤلفات هذا الرجل، تعطينا فكرة واضحة عن مدى استيعابه للمادة والقدرة الفائقة على محورة أفكاره وتناولها بيسرٍ وسهولةٍ ووضوح، من دون المساس بطبيعة النص وبنيته الأولية، بل يستكنه بعمق دقائقه وحقائقه، ويلتقط بسرعة فائفة إشاراته ومراميه، معتمداً في تعاطيه هذا أسلوباً رضياً متّزناً.

 

وفاته:

توفي ببغداد سنه 413هـ، وصلي عليه السيد الشريف المرتضي بحضور أعداد كبيرة من الناس، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً حيث بكاه جميع الناس المؤالف والمخالف، ودفن إلى جوار قبر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) الواقع في مد