وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٥ يونيو ٢٠٠٩

٧:٣٠:٠٠ م
172168

بمناسبة وفات العلامة الطباطبايي(قدس سره)

صاحب كتاب الميزان

أحد رجال الله القلائل الذين يفتخر العقل الاسلامي المعاصر بعطائهم الفكري و العلمي ، دون أن يكون هذا وحده فضله الأساس ، فقد كان ، فظلا عن ذلك شخصية فذة في الميدان الروحي و الاخلاقي ، إذ كان مصداقا بارزا للعالم الرباني الذي تذكّر رؤيته بأولياء الله. و إذا كان لسانه و قلمه يحققان فتوحا فكرية‌ ، فان سيرته كانت نافذة أخلاقية‌ و روحية تهب منها علي المجتمع الاسلامي نسمات عبقة بالاخلاق السامية ،‌ تلك الشخصية‌ التي كانت من النضج و الرشد بحيث كان ما تحققه بالصمت و السكون لا يقل عمّا كان تنجزه بالنطق و الكلام. و من هنا ، كان علمه مصداقا للنور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء ، حسب تعبير الحديث الشريف.

النشأة و التكوين

في زمن العصف الفكري الذي عاني منه المسلمون في ظل تيارات الالحاد و التغريب ، و في وقت كان قلب الاسلام النابض المتمثل بالقرآن الكريم يواجه تحديات كثيرة ، أنجبت الضرورة‌ بالعلامة الطباطبايي ليساهم بالقسط الاوفی في اعادة التوازن الي المجتمع الاسلامي ، فيدفع عن الفلسفة الاسلامية محاولات الطمس الغربية‌ ، و ينافح عن القرآن الكريم بما اوتي من أنوار المعرفة الالهية‌ ، ليثبت حقانيّته و جدارته بالبقاء دستورا خالدا للانسانية ، كما هي معركة الاسلام دائما، يخوض فيها فرد أو فردان غمار النزاع الاسلامي من أجل البقاء ضد جيوش جرارة معادية‌ من الافراد والامكانات و الاستعدادات. هو السيد محمد حسين بن السيد محمد ، المتصل نسبه بشيخ الاسلام الطباطبائي التبريزي ، و المنتهي بالحسن المثني ابن الامام الحسن عليه السلام. ولد في (29 ذي الحجة) سنة‌ 1321 هـ‌ الموافقة لعام 1903 م في مدينة‌ تبريز ، الشهيرة‌ بكثرة العلماء الافذاذ فيها. و قد اشتهرت اسرته قديما بالفضل و العلم و الرئاسة‌ ، و كانت سلسلة أجداده الاربعة عشر كلها من العلماء المعروفين في تبريز.

بدأ رحلته العلم الطويلة في مسقط رأسه ، تبريز. و ذلك علي أيدي الافاضل من اسرته ، و بعد اتمام مرحلة المقدمات ، هاجر الي النجف الاشرف سنة‌ 1343 هـ‌ « 1924» م . و أقام فيها مدة‌ عشر سنوات ، انكب أثناء ها علي تحصيل مختلف العلوم الاسلامية حتي حاز بهذه الفترة الوجيزة‌ درجة‌ الاجتهاد بما يسرّ الله سبحانه و تعالي له من الملكات الرفيعة و القابليات الذهنية‌ العالية. و كان أساتذته في المراحل العليا من الدراسة ، ثلّة من أفذاذ العلماء و أقطاب الفضيلة ، أمثال الشيخ محمد حسين النائيني ، و الشيخ محمد حسين الكمباني في الفقه و الاصول ، و السيد حسين البادكوبي في الفلسفة ، والسيد أبوالقاسم الخونساري في الرياضيات ، و الميرزا علي القاضي في الاخلاق. و قد سمحت له ذهنيته الوقادة و همّته الاسلامية العالية في تجاوز الاطر التقليدية في الدراسات الحوزية، الی مجالات أرحب و أعمق. فأنهی دورة‌ كاملة في الرياضيات القديمة : كمباديء الهندسة‌ لأقليدس، و المجسطي لبطليموس.

كما حصل علی اجازة في الرواية‌ عن الشيخ علي القمي ، و الشيخ عباس القمي ، و آية الله العظمی السيد حسين البروجردي.

و في عام 1353 هـ ـ 1934 م عاد الي مسقط  رأسه تبريز ، ثم بعد ذلك هاجر الی قم و استقر فيها عام 1545. و هنا بدأ نجمه بالظهور و أخذ صيته ينتشر ، وذاعت شهرته في الافاق للتجاوز حدود ايران، و خاصة‌ علی مستوی‌ تدريس التفسير و الفلسفة. و بذلك اعتبر بحق وريث هذين العلماء الحاضر بلا منازع.

انجازاته العلمية و الفكرية

اثر استقراره « قدس سره» في قم المقدسة ، باشر أعماله الفكرية ،‌فأثرت قدراته في هذا المجال انتباه الحوزة العلمية و اهتمامها، بما مكنه من احتلال مكانة رفيعة في أوساطها بفترة وجيزة. و أهم ما يعتبر انجازا له انه أعاد الفلسفة و التفسير الي مكانتهما المهمة في الحوزة التي افتقدتهما فترة طويلة ، مقتصرة علی الفقه و الاصول والحديث. و قد شملت مساعيه الرامية‌ الی احياء العلوم العقلية و الاسلامية المفقودة في الحوزة‌ العلمية ،‌مجالين رئيسين:

1ـ التأليف

2ـ تنشئة جيل من العلماء متشبع بتلك العلوم باقتدار و اخلاص عاليين.

في المجال الاول، استطاع السيد الطباطبائي أن يقدم للثقافة الاسلامية خدمات جليلة ،‌ ستخلد ذكره الشريف ،‌إذ ألف ما يناهز الاربعين كتابا و رسالة ، منها:

1ـ اصول الفلسفة . في خمسة أجزاء‌ طبعت مع تعليقات قيّمة‌ للشهيد آية الله مرتضی المطهري ، و أهمية‌ هذا الكتاب تمكن في التقريب بين الفلسفة الاسلامية القديمة و الفلسفة الحديثة :

2ـ الاعداد الاولية‌.في الرياضيات

3ـ بداية‌ الحكمة . في الفلسفة

4ـ نهاية‌ الحكمة. في الفلسفة

5ـ تعليقات علي الاسفار

6ـ تعليقات علی اصول الكافي

7ـ تعليقات علی بحار الانوار

8ـ تعليقات علی الكفاية

9ـ علي و الفلسفة الالهية

10ـ القرآن في الاسلام ، يشمل أهم أبحاث علوم القرآن

11ـ الميزان في تفسير القرآن . يقع في عشرين مجلدا.

و في المجال الثاني ، نجح العلامة «‌قدس سره» في تنشئة جيل من كبار العلماء، أخذوا علي عواتقهم اكمال رسالة استاذهم في الدفاع عن الفكر الاسلامي نظرية و تطبيقا. و كان نجاحه في هذا المجال يعود الی عاملين : غزارة‌علمه و عمق تفكيره ، أضف الي ذلك الجوانب الخلقية و الروحية‌ العالية التي كانت تصهر ه هؤلاء العلماء في بوتقة استاذهم و تصوغهم الصياغة المطلوبة. ويعد الشهيد آية‌ الله المطهري من أبرز تلامذته ، و قد بلغ انجذابه لأستاذه انه يذكره دائما باعجاب و يلحق اسمه دوما بعبارة :‌ روحي فداه . و من تلامذته الاخرين آيت الله الدكتور الشهيد بهشتي ، و الدكتور الشيخ مفتح ، و الشيخ آيت الله الجوادي الاملي ، و الشيخ مصباح اليزدي.

 

الطباطبايي و عصره

لقد كان للمؤثرات الزمنية‌ دورها في تحديد اتجاه تحرك السيد الطباطبائي العلمي. فلم ينزو عن عصره ، بل انطلق مرّة نحو الاعماق الاسلامية يستنجد بالاصالة في استيعاب حقائق العصر والتعاطي معها علی قاعدة رصينة‌ . و انطلق مرة ثانية نحو الاعالي مستندا الي تلك القاعدة ليحل اشكالات العصر و يبيّن سقطاته و هفواته ، أو يؤكد ايجابياته و حسناته. و علي هذا كان كتابه « اصول الفلسفة» ، معالجة لظاهرة معاصرة طرأت علی المجتمع الاسلامي ، وهي الانجراف مع تيار الفلسفة الغربية و الاعراض عن الفلسفة الاسلامية.

و كتابه « المرأة في الاسلام» كشف عن استمرار الظلم الاروبي القديم للمرأة‌ و اتصاله بالظلم الحيث لها، و كيف ان موقف الحضارات القديمة والجديدة من المرأة يقع بين الافراط و التفريط. أما « نظرية السياسة و الحكم في الاسلام» فانه يوضح مدي تعاطي العلامة الطباطبائي مع عصره ، إذ عالج « قدس سره »‌ فيه مسألة الحكم معالجة مقارنة بين الاسلام و النظم الوضعية ، مشيرا الی إيجابيات الاسلام في الحكم و السياسة ، و مساویء الانظمة‌ الوضعية المتمثلة بالديمقراطية و الديكتاتورية اللتين يعتبرهما وجهين لعملة واحدة. [ فلا تزال الديكتاتورية‌ هي الطابع العام للحكومات الديمقراطية بانتزاعها الديكتاتورية من القاعدة الفردية و اعطائها الي القاعدة الجماعية] . مستشهدا علي ذلك بالظاهرة الاستعمارية البشعة التي ولدت في أحشاء الديمقراطية الغربية ، والتي تكشف عن دي