هناك اتجاهات عديدة في تفسير الحجاب و الكشف عن السبب الباعث علي حدوثه في المجتمعات الانسانية ، علي العكس من المجتمعات الحيوانية التي لا شعور فيها بضرورة وجود حائل بين ذكرها و أنثاها ، وقد سعي أعداء الاسلام الي استغلال هذه الاتجاهات لضرب الحجاب الاسلامي عن طريق نقدها، من دون ان يفترق لديهم رأي الاسلام عن غيره و من دون ان يعيروا اهتماما لما أوضحه الاسلام بروحه و نصوصه من المصالح الفردية و الاجتماعية التي ابتنت عليها نظرية الحجاب في الاسلام ، و لذا نري ان اكثر هذه الاتجاهات تحاول أن تطيع الحجاب بطابع الظلم للمرأة و الجهل لحقوقها ، و سوف نري أنها اما لا أثر لها أصلا في خلق الحجاب ، و اما انها غير ملحوظة في التشريع الاسلامي:
- الاتجاه الفلسفي :
يری اصحاب هذا الاتجاه ان الحجاب نابع عن فكرةالرهينة الفلسفية ، انطلاقا من ان المرأة اكبر أداة لالتذاذ الرجل في الحياة ، فلو اتيحت له الاباحية المطلقة ، و ارتفع الستر عن المرأة تحول المجتمع ـ طبيعياـ الي مجتمع فاسد منهمك في اللذات ، هذا ما يناقض فلسفة الرهينة التي تؤكد علي رفض الاستمتاعات المادية بكافة نواحيها في الحياة رفضا باتا.
و هنا نسأل : ما هي الاسباب التي دعت الي فكرة الرهينة و معاداة الاستمتاع المادي ؟
والجواب :انها كثيرة و أهمها ما يلي:
أولا : الرغبة في الوصول الي الحقيقة مع الاعتقاد بانه لا يحصل إلا عن طريق قهر النفس و سحق مشتهياتها.
ثانيا: اقتران اللذات المادية بالمشاق و تحمل المصاعب في سبيل الحصول عليها مما يفقد الانسان عزته و استقلاله ، و لذا يصمم علي تركها و الزهد فيها.
ثالثا:أخفاق الروح و فشلها في تحقيق بعض آمالها المادية ، فتتجه الي الانتقام من اللذات المادية عن طريق استخبائها و ترويض النفس علي الابتعاد عنها.
رابعا: الاكثار من الاستمتاعات المادية و الافراط فيها مما يؤدي الي حصول رد فعل للروح تجاهها . هذه هي العوامل المؤدية الي خلق الرهبانية، و هذه الفكرة الفلسفية يدورها ساعدت علي تنمية نظرية الحجاب في زعم اصحاب هذا الاتجاه . و من الواضح ان الاسلام لم يستند في أي تشريع من تشريعاته الي هذه الفكرة ، و لا هي تطابق روحه و نصوصه الشريفة ، و ليس من شك في ان الاسلام حارب الفكرة بشتي الوسائل و ما أكثر النصوص القرآنية و النبوية و المواقف المشرقة التي كان يتخذها قارة الاسلام الحقيقيون للتأكيد علي النظافة و التجميل ، و تقصير الشعر، و التدهين و استعمال العطر ، الي غيرها من مظاهر الاستمتاع بلذائذ الحياة و زينتها التي اخرج الله لعباه ، و الطيبات من الرزق.
هذا في مجال الحياة الاجتماعية ، و اما في مجال الحياة الزوجية فلم يفسح الاسلام المجال للزوجين لاستمتاع احدهما بالاخر فحسب و انما اكد علی ذلك كثيرا و رغب فيه ، و اتخذ لذلك أنماطا متعددة من السلوك يربي عليها الزوجين ، و ينمي علی أساسها علاقة أحدهما بالاخر.
- الاتجاهات الاجتماعي:
يفسر هذا الاتجاه مسألة الستر و الحجاب بان النهب و السلب و الاعتداء علي أموال الضعفاء من الناس و أعراضهم من قبل ذوي القدرات و الامكانيات امر شائع في المجتمعات البدائية و لذ اضطرت الجماعات المستضعفة الي إخفاء أموالهم و دفنها في الارض ، و كذلك ستر نسائهم و اخفائهن عن الابصار خوفا عن عفافهن. و هذا الجانب ايضا غير ملحوظ في تشريع الاسلام للحجاب ، فالنصوص الاسلامية الصادرة بهذا الصدد لا تتعرض له اطلاقا ـ لا تصريحا و لا اطلاقا ـ اضعف الي ذلك ان التاريخ لا يحدثنا بأن الجاهلية كانت تعيش أزمة نهب و اعتداء علي أموال الناس و أعراضهم ، في نفس الوقت الذي لم تكن تعرف شيئا عن الحجاب.
- الاتجاه الاقتصادي:
و يری هذا الاتجاه ان المبرر الرئيس لنشوء مسألة الحجاب هي فكرة استثمار طاقات المرأة و استغلال قواها،للحصول علی أكبر قدر ممكن من منافعها الاقتصادية ، و لذا كانوا يحسبونهن في البيوت .
و كما يقسم أصحاب الماركسية مراحل التاريخ البشري من حيث العوامل الاقتصادية الي : اشتراكية بدائية ، و اقطاعية و رأسمالية ، و اشتراكية ثانوية ، كذلك يحاول بعض أتباع هذا الاتجاه ان يقسم المراحل التي مرت بها صلة الرجل بالمرأة من وجهة نظر علم الاجتماع الي :
1)مرحلة الاشتراكية الطبيعية التي لم يكن للحياة الزوجية فيها أي مفهوم.
2) مرحلة استعباد المرأة و استملاكها و من مخلفاتها الحجاب
3) مرحلة الثورة علي الوضع المعاش من قبل النساء و المطالبة بحقوقهن.
4) مرحلة الاشتراكية الثانوية و المساواة بين الرجل و المرأة
و هذه الفكرة خاطئة جدا و ليس الا تقليدا اعمی للماركسيين ، فالمراحل المذكورة لا وجود لها في التاريخ البشري و لا يمكن ان توجد ، فعواطف الرجل تجاه زوجته و العلاقة الزوجية التي تشده اليها تمنعه عن ان يفكر في استملاكها و لا تسمح له بالتغلب عليها بقصد الاستغلال اقتصاديا ، و لا ننكر في نفس الوقت ظلم الرجل للمرأةو استغلالها أحيانا عندما تضمر العاطفة و تبرز العصبية و الجهالة ، الا أن هذا لا يكون مبررا لان نتخذه كظاهرة تشمل المجتمعات قبل القرن التاسع عشر. و أما الاسلام فبالاضافة الی انه لم يلاحظ هذا الجانب في تشريعه فقد حارب الفكرة من أساسها ، و أعلن عن حرية المرأة و استقلالها ـ اقتصاديا ـ و لم يعط للرجل اي حق في أجرة عملها ، و حتي في القيام بمهام البيت تكون بالخيار بين ان تتطوع بها أو تطالب بأجرة أزاءها.
- الاتجاه الاخلاقي:
و يری ان الحجاب امر خلقته غريزة الحسد الكامنة في طبيعة الرجل ، فهو يحب ذاته ، و يحسد الاخرين ، و لذا يسعی الي اشباعها عن طريق حجب المرأة و سترها. و قد أخطأ هذا الاتجاه ايضا في فهم السبب الحقيقي للحجاب ، و لم يميز بين غريزة (الحسد) المودعة في طبيعة ، و غريزة (الغيرة ) التي أودعها الله في طبيعة الرجل كي يحفط بها النسل من الضياع ، فهي غريزه نوعية اجتماعية وظيفتها حراسة النسل البشري ، و أما الحسد فهي غريزة شخصية ، و حتي لو زال الحسد عن طريق تهذيب النفس ، بقيت غريزة الغيرة تقوم بدورها الفعال،و الاسلام لاحظ هذا الجانب ايضا في تشريعه للحجاب
- الاتجاه النفسي :
و يحاول تفسير الحجاب يدافع نفسي للمرأة، فهي تشعر دائما ـ عندما تقايس نفسها بالرجل ـ بالصغار و الحقارة ، و ذلك لنقصها العضوي اولا ، و لابتلائها بالحيض و النفاس ثانيا ، و لذا كانت تعد أيام حيضها و نفاسها رجسا يجب التطهر منه ، و هذا الشعور النفسي هو الذي جعلها تتستر و تختفي عن الرجال .
و لا شك في أن هذا لا يوافق رأِي الاسلام ، لانه لا يعد المرأة رجسا ايام عادتها و لم ينه ع