وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
السبت

٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤

٢:٤٤:٣٧ م
1507278

الحرب تُجبر "إسرائيل" على تجنيد اللاجئين الأفارقة

ظاهرة المرتزقة في "جيش" الاحتلال ليست وليدة اللحظة الحالية التي تدور فيها الحرب، وليست حكراً على اللاجئين الأفارقة؛ فـ"إسرائيل" قامت واعتمدت في نشأتها على المرتزقة.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ ذهبت "إسرائيل" بعيداً في إجرامها؛ الذي تدحرج خارج حدود المنطق والمعقول والمألوف في سلوك الدول وممارستها؛ وإلى حدّ غير مسبوق، منذ بدء الحرب المتواصلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ ولم تتوقف حدود التوحش الصهيوني والإفساد في الأرض عند شعب بعينه، وتجاوزت الجغرافيا الفلسطينية والعربية حتى نالت من الشعوب الأفريقية، وتفننت في ذلك وتنقلت من الابتزاز والاضطهاد والعنصرية إلى الاستغلال في أبشع أشكاله.

وضعت الأقدار السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بعض دول القارة الأفريقية آلاف اللاجئين في طريق العنصرية الإسرائيلية فداستهم واستنزفتهم وأفرغت عليهم فائض التوحش والاضطهاد، والشواهد والشهادات على ذلك كبيرة وكثيرة.

تفتقت العنصرية الصهيونية الجديدة عن شكل جديد من أشكال الاضطهاد الموجّه والمخصص للاجئين الأفارقة في "إسرائيل"، فاستحدثت معادلة القتال مقابل الإقامة، وحوّلتهم من لاجئين إلى مُجنّدين ومرتزقة. وقد كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية في 15 أيلول/ سبتمبر 2024؛ أن "إسرائيل" تجنّد طالبي اللجوء الأفارقة للقتال في قطاع غزة، مقابل وعود بالحصول على إقامة.

وقالت الصحيفة: "تستخدم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية طالبي اللجوء من أفريقيا في المجهود الحربي في قطاع غزة، وتخاطر بحياتهم، وفي المقابل، تقدم لهم المساعدة في الحصول على وضع مقيم دائم في إسرائيل (أقل من الجنسية)".

تتم عملية تجنيد اللاجئين الأفارقة بواسطة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وبطريقة منظمة مع بعض المشورة الأمنية اللازمة، لكنها تغفل الجانب القيمي المتعلق باستغلال حاجة هؤلاء اللاجئين، ولم تمنح أي وضع قانوني لطالبي اللجوء، رغم مشاركتهم في العمليات العسكرية والحربية في قطاع غزة.

كشفت عملية تجنيد "إسرائيل" للاجئين الأفارقة عن جملة تبعات لا تتوقف حدودها عند البعد الإنساني واستغلال حاجة هؤلاء اللاجئين، لكنها تعكس هشاشة هذا الكيان الذي لم يعد بمقدوره القتال من دون اللجوء إلى المرتزقة، فلم يقتصر الأمر على تجنيد اللاجئين الأفارقة فقط، وإن كان لذلك خصوصية تتعلق بالاستغلال والاضطهاد والإجبار، لكنها استعانت بمرتزقة من الولايات المتحدة وفرنسا وأوكرانيا وإسبانيا وعدة دول أخرى. وقد أفضت الاستعانة بهؤلاء إلى ارتكاب جرائم وعمليات إبادة غير مسبوقة. وتظن "إسرائيل" أنها باستخدام المرتزقة قد تفلت من العقاب الجنائي الدولي.

استغلال اللاجئين الأفارقة وإجبارهم على التجنيد ليس عملاً فردياً أو اجتهاداً شخصياً؛ بل جريمة غير أخلاقية تنفذها وتشرف عليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي تستغل حاجة اللاجئين إلى الإقامة والعيش بكرامة مقابل تجنيدهم؛ أو للدقة إشراكهم في ارتكاب جرائم الإبادة الحاصلة والمستمرة التي ينفذها "جيش" الاحتلال في قطاع غزة. ومن يرفض يُطرد ويهدد بالترحيل، ومن يقبل يحصل على تدريب لمدة أسبوعين فقط، ثم يرسل إلى القتال في غزة حتى وإن لم يسبق له استخدام السلاح في حياته. وإن كان قد فرّ من بلاده هرباً من الموت والحرب؛ لا تهتم "إسرائيل" فترسله إلى حرب الإبادة التي تشنها، من دون رادع أخلاقي أو إنساني أو قانوني.

ظاهرة المرتزقة في "جيش" الاحتلال ليست وليدة اللحظة الحالية التي تدور فيها الحرب، وليست حكراً على اللاجئين الأفارقة؛ فـ"إسرائيل" قامت واعتمدت في نشأتها على المرتزقة، وقد أعد العقيد في "جيش" الاحتلال أليعازر إسحاق في عام 2002 دراسة بعنوان " المرتزقة في الجيش الإسرائيلي"، يكشف فيها أن "إسرائيل" استعانت بالمرتزقة منذ عام 1948.

اعتماد "إسرائيل" على المرتزقة في نشأتها، لا يعني الاستمرار في العملية، كان يُفترض وفق منهج بن غوريون ومنطقه أن تذهب "إسرائيل" إلى الاعتماد على نفسها على قوتها الذاتية ومواردها البشرية، هذا لم يحدث ولن يحدث، وبعد أكثر من سبعة عقود تكشفت حقيقة هذا الكيان وهشاشته.

 

 تجنيد "إسرائيل" للاجئين الأفارقة يعني جملة دلالات ويجيب عن عدة تساؤلات، من بينها:

- الأكاذيب حول عدد قتلى "الجيش" في الحرب على غزة، وإخفاء عدد الذين يقعون في الكمائن والعمليات النوعية وتُجهز عليهم المقاومة من مسافة صفر، ذلك أن "إسرائيل" لا تعدّ الجنود الأفارقة خسائر بشرية يُمكن احتسابها، ومن ثم فإنه وفق العرف الإسرائيلي، لا تعدّ "الدولة" هؤلاء قتلى حرب ولا تتحمّل تجاههم وتجاه أسرهم أي تبعات قانونية أو اجتماعية، على غرار الجنود اليهود، وبالتالي حتى الموت في الحرب لا يُعفي ولا ينفي العنصرية عن هذا الكيان.

- لجوء "إسرائيل" إلى تجنيد اللاجئين الأفارقة في ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة التي تتبنى العنصرية ضدهم، يعني أن العجز في الموارد البشرية في "الجيش" الإسرائيلي قد وصل إلى مفاصل مركزية، وأنه لا يمكن تعويض الخسائر البشرية وحسم المعركة من دون الاستعانة باللاجئين الأفارقة، بغض النظر عن المطالبات السابقة بطردهم ونفيهم.

- يدور الحديث عن كتلة بشرية تتراوح ما بين 30 إلى 45 ألف لاجئ أفريقي، تستغل "إسرائيل" حاجتهم إلى الإقامة، وتُجبرهم على التجنيد والاشتراك في حرب الإبادة، وتمارس بحقهم أبشع ظروف الاستغلال والعنصرية والاضطهاد، وهذا سُيفضي إلى توتر ما بين "إسرائيل" والدول التي ينتمي إليها هؤلاء اللاجئين، وبالتالي سيتعطل ويتراجع مشروع نتنياهو في اختراق القارة الأفريقية، لا سيما أن دولة أفريقية هي جنوب أفريقيا تقود في محكمة العدل الدولية مساعي وقف الإبادة الجماعية، فإذا بـ"إسرائيل" تريد بالإجبار إشراك اللاجئين الأفارقة في حرب الإبادة التي تشنها.

- تسعى "إسرائيل" إلى القفز نحو جريمة أخرى بحق اللاجئين الأفارقة، إذ تُخطط وتسعى لتجنيد أبنائهم مقابل تسوية أوضاعهم القانونية وتعليمهم وإطعامهم ومن يرفض يُطرد. أي بدلاً من إعطائهم حقوقهم المشروعة والمكفولة وفق القواعد القانونية الدولية، تقوم باستغلالهم في تنفيذ الإبادة، وذلك بعدما مارست بحقهم العنصرية والاضطهاد والعنف على مر سنوات ما قبل الحرب.

- فوق انتهاك "إسرائيل" لكل القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالحرب، فإن تجنيد اللاجئين الأفارقة وإجبارهم على الاشتراك في جرائم الإبادة يعدّ انتهاكاً واضحاً ومباشراً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بأحكام اللاجئين الفارين من الاضطهاد، والتي تقتضي عدم إعادتهم إلى بلدانهم أو اضطهادهم أو استغلالهم وتسوية أوضاعهم بشكل عاجل.

- تجنيد "إسرائيل" للاجئين الفارقة واضطرارها لذلك وسرعة إرسالهم إلى ساحات القتال، يعني أن المقاومة في غزة وفي لبنان قد أفضت وأحدثت عملية استنزاف كبيرة وخطيرة في القدرات العسكرية والموارد البشرية النظامية والاحتياطية لـ"الجيش" الإسرائيلي، وصلت إلى حدّ إعادة تقديراته في مواصلة القتال ووصلت إلى مستويات كبيرة وخطيرة حتى وإن حاول إخفاء ذلك.

- من نتائج الحرب الحاصلة بالإضافة إلى تجنيد اللاجئين الأفارقة؛ انكشاف الردع الإسرائيلي وانفضاح هشاشته، وتعميق أزمة المشروع الصهيوني الذي لم يعد بمقدوره الاعتماد على موارده البشرية فقرر الاستعانة باللاجئين الأفارقة؛ بعدما فشل وعجز عن تجنيد الحريديم مع ما يترتب عن ذلك وعليه من تبعات تمس مكونات المشروع الصهيوني ومستقبله وجدواه. هذه الحرب أثبتت أن "إسرائيل" لا يمكنها الاعتماد على نفسها للدفاع عن نفسها، وأن بقاءها بحاجة إلى أمرين: الأول الاستعانة بالولايات المتحدة، والثاني تجنيد الأغيار "الغوييم". والأهم أن "الدولة" التي تريد أن تكون "دولة يهودية" خالصة لم يعد بمقدورها ذلك من دون الاستعانة باللاجئين الأفارقة، الذين تنظر إليهم بفوقية وتمارس بحقهم العنصرية وتريد طردهم ونفيهم.

- يفضح تجنيد اللاجئين الأفارقة رواية التدليس الإسرائيلي التي تدّعي البعد الأخلاقي في سلوكها وممارستها، ويكشف عمق الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تستغل حاجة اللاجئين من أجل الاشتراك في جرائم الإبادة بغض النظر عن أبسط حقوق الإنسان في اللجوء والإقامة.

- تآكل قناعة الجبهة الداخلية في "إسرائيل" بقدرات "الجيش" وإمكانياته البشرية، وقدرته على الدفاع عنهم وعن الدولة، وأن العجز لديه أفضى إلى اضطراره لتجنيد اللاجئين الأفارقة الذين كان بالأمس القريب يمارس بحقهم الاضطهاد والعنصرية وتلاحقهم الشرطة تطاردهم وتقتل بعضهم.