وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَمْ يَعْقِلْ مَواعِظَ الزَّمانِ مَنْ سَكَنَ إِلى حُسْنِ الظَّنِّ بِالْأَيّامِ".
لا يثق بالأيام إلا الذي لا يفهم تقلُّباتها وما يجري فيها من مقادير لا يعلمها إلا الله تعالى، إن الإنسان ابن لحظته الراهنة، بل حتى هذه لا يحيط بها علماً، إنه يعلم عنها شيئاً وتغيب عنه أشياء كثيرة، فما بالك بما ستأتي به الأيام، والأيام دائماً ما تكون حُبلى بالأحداث والأقدار والتغيُّرات والتحوُّلات والمفاجآت، ولذلك جاء الأمرفي القرآن الكريم بربط كل أمر ينوي المُؤمن أن يعمله في غَدِهِ بمشيئة الله تعالى، قال سبحانه: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا ﴿23﴾ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا ﴿24/ الكهف﴾.
فالآيتان الكريمتان تدلان على أن حركة وفعل، بل كل نَفَسٍ من أنفاس الكائن الحَيِّ مرهونة بإرادة الله ومشيئته، والغيب لا يعلمه إلا الله، وعلم الإنسان قاصر عن معرفته فضلاً عن الإحاطة به، وعقله مهما عَلِمَ قاصِرٌ كليل، فليس له أن يقول: إني فاعل ذلك غداً بالبَتِّ والقَطع، لأن الغد في غيب الله، وليس معنى هذا أن يقعد الإنسان، لا يفكر في أمر المستقبل ولا يدبر له، وأن يعيش يوماً بيوم، ولحظة بلحظة، كلا، ولكن معناه أن يَحسِبَ حِسابَ الغَيب وحِساب المَشيئة التي تدبره، وأن يَعزِمَ ما يعزم ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم، ويستشعر أن يَدَ الله فوق يده، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره، فإن وفَّقَه الله إلى ما عزَم عليه فبها ونِعمَت، وإن جرت مشيئة الله بغير ما دَبَّر لم يحزن ولم ييأس، لأن الأمر لله أولا و أخيراً.
بعد هذه المقدمة نرجع إلى ما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع): "لَمْ يَعْقِلْ مَواعِظَ الزَّمانِ مَنْ سَكَنَ إِلى حُسْنِ الظَّنِّ بِالْأَيّامِ" إنها تعني أن الشخص الذي يعتمد على حُسْنِ الظن الزائد في الزمن أو في الأيام، ولا يأخذ بعين الاعتبار ما يحدث حوله من تجارب وصعوبات ومواقف ومتغيِّرات وأحداث وأمور طارئة، فإنه يفشل في فهم دروس الحياة ولا يتعظ بمواعظ الزمن، لأن الزمن مَلِيءٌ بالتَّحدِّيات والتَّقلُّبات، ومن يتوقع دائماً أن تكون الأمور سَهلة أو محسوبة بشكل إيجابي دائماً، دون أن يكون لديه حذر واستعداد للمفاجآت أو العقبات، فهو لم يتعلَّم من تجارب الماضي ولم يدرك حقيقة الحياة.
إن القرآن الكريم يحُثُّ الإنسان على التأمل في تقلبات الأيام وتحوّلاتها، وتَجَنُّب التَّواكل أو الاعتماد المُفرط على حُسْنِ الظَّنِّ، فإن الأيام ليست ثابتة، ولا تجري على منوال واحد، فالطمأنينة إلى ثباتها غباء وحماقة، وكما على المرء أن يتوقَّع حدوث أمور إيجابية في غَدِه حيث يعطيه ذلك أملاً يحتاجُه لتطوِّره ونُموه وراحته النفسية، كذلك عليه أن يتوقَّع تبَدُّل الأحوال وحدث أمور سلبية، وهذا التوقُّع ليس من التفكير السلبي أبداً، بل من التفكير الإيجابي أيضاً لأنه يدفعه إلى الاستعداد والاحتياط لما قد يكون، فلا تغدر الأيام به، ولا تفاجئه أحداثها، يقول الله تعالى: "...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..."﴿140/ آل عمران﴾.
إن الحياة كما تحتوي على اليُسر كذلك تحتوي على العُسر، ولذلك على المَرء أن يتوازن في توقعاته، وألا يظُنَّ أن كل الأمور ستكون سَهلة دائماً، أو مُعَسَّرة دائماً، وعليه أن يتعَلَّم من الأيام التي سلفت سواء كانت أيامه هي وما جرى عليه فيها من تقَلُّبات أو أيّام سواه وما جرى فيها عليهم.
في الحياة اليومية، نجد الكثير من الأمثلة على الأشخاص الذين يعتمدون على حُسْن الظن بالأيام فقط، مثل أولئك الذين يعتقدون أن الأمور ستتحسن بدون أن يبذلوا أيَّ جُهد، أو أن النجاح الذي يرغبون به سيأتيهم بسُهُولَة دون تعب، لكنَّ التجربة تثبت أن النجاح يتطلب جهداً واستعداداً لِمواجهة التحدَّيات والمُتغَيِّرات.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
...........
انتهى/ 278
لا يثق بالأيام إلا الذي لا يفهم تقلُّباتها وما يجري فيها من مقادير لا يعلمها إلا الله تعالى، إن الإنسان ابن لحظته الراهنة، بل حتى هذه لا يحيط بها علماً، إنه يعلم عنها شيئاً وتغيب عنه أشياء كثيرة، فما بالك بما ستأتي به الأيام، والأيام دائماً ما تكون حُبلى بالأحداث والأقدار والتغيُّرات والتحوُّلات والمفاجآت، ولذلك جاء الأمرفي القرآن الكريم بربط كل أمر ينوي المُؤمن أن يعمله في غَدِهِ بمشيئة الله تعالى، قال سبحانه: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا ﴿23﴾ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا ﴿24/ الكهف﴾.
فالآيتان الكريمتان تدلان على أن حركة وفعل، بل كل نَفَسٍ من أنفاس الكائن الحَيِّ مرهونة بإرادة الله ومشيئته، والغيب لا يعلمه إلا الله، وعلم الإنسان قاصر عن معرفته فضلاً عن الإحاطة به، وعقله مهما عَلِمَ قاصِرٌ كليل، فليس له أن يقول: إني فاعل ذلك غداً بالبَتِّ والقَطع، لأن الغد في غيب الله، وليس معنى هذا أن يقعد الإنسان، لا يفكر في أمر المستقبل ولا يدبر له، وأن يعيش يوماً بيوم، ولحظة بلحظة، كلا، ولكن معناه أن يَحسِبَ حِسابَ الغَيب وحِساب المَشيئة التي تدبره، وأن يَعزِمَ ما يعزم ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم، ويستشعر أن يَدَ الله فوق يده، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره، فإن وفَّقَه الله إلى ما عزَم عليه فبها ونِعمَت، وإن جرت مشيئة الله بغير ما دَبَّر لم يحزن ولم ييأس، لأن الأمر لله أولا و أخيراً.
بعد هذه المقدمة نرجع إلى ما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع): "لَمْ يَعْقِلْ مَواعِظَ الزَّمانِ مَنْ سَكَنَ إِلى حُسْنِ الظَّنِّ بِالْأَيّامِ" إنها تعني أن الشخص الذي يعتمد على حُسْنِ الظن الزائد في الزمن أو في الأيام، ولا يأخذ بعين الاعتبار ما يحدث حوله من تجارب وصعوبات ومواقف ومتغيِّرات وأحداث وأمور طارئة، فإنه يفشل في فهم دروس الحياة ولا يتعظ بمواعظ الزمن، لأن الزمن مَلِيءٌ بالتَّحدِّيات والتَّقلُّبات، ومن يتوقع دائماً أن تكون الأمور سَهلة أو محسوبة بشكل إيجابي دائماً، دون أن يكون لديه حذر واستعداد للمفاجآت أو العقبات، فهو لم يتعلَّم من تجارب الماضي ولم يدرك حقيقة الحياة.
إن القرآن الكريم يحُثُّ الإنسان على التأمل في تقلبات الأيام وتحوّلاتها، وتَجَنُّب التَّواكل أو الاعتماد المُفرط على حُسْنِ الظَّنِّ، فإن الأيام ليست ثابتة، ولا تجري على منوال واحد، فالطمأنينة إلى ثباتها غباء وحماقة، وكما على المرء أن يتوقَّع حدوث أمور إيجابية في غَدِه حيث يعطيه ذلك أملاً يحتاجُه لتطوِّره ونُموه وراحته النفسية، كذلك عليه أن يتوقَّع تبَدُّل الأحوال وحدث أمور سلبية، وهذا التوقُّع ليس من التفكير السلبي أبداً، بل من التفكير الإيجابي أيضاً لأنه يدفعه إلى الاستعداد والاحتياط لما قد يكون، فلا تغدر الأيام به، ولا تفاجئه أحداثها، يقول الله تعالى: "...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..."﴿140/ آل عمران﴾.
إن الحياة كما تحتوي على اليُسر كذلك تحتوي على العُسر، ولذلك على المَرء أن يتوازن في توقعاته، وألا يظُنَّ أن كل الأمور ستكون سَهلة دائماً، أو مُعَسَّرة دائماً، وعليه أن يتعَلَّم من الأيام التي سلفت سواء كانت أيامه هي وما جرى عليه فيها من تقَلُّبات أو أيّام سواه وما جرى فيها عليهم.
في الحياة اليومية، نجد الكثير من الأمثلة على الأشخاص الذين يعتمدون على حُسْن الظن بالأيام فقط، مثل أولئك الذين يعتقدون أن الأمور ستتحسن بدون أن يبذلوا أيَّ جُهد، أو أن النجاح الذي يرغبون به سيأتيهم بسُهُولَة دون تعب، لكنَّ التجربة تثبت أن النجاح يتطلب جهداً واستعداداً لِمواجهة التحدَّيات والمُتغَيِّرات.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
...........
انتهى/ 278