وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع المفتي الجعفري الممتاز في لبنان، الشيخ أحمد قبلان حول الدور الذي يمكن للحجاج أن يؤدّوه ضدّ الكيان الصهيوني من خلال إعلانهم البراءة منه ومن داعميه.
نظراً إلى أن الحج أحد أعظم الأرضيّات لتضافر وتآزر وتعاطف الأمّة الإسلاميّة، كيف يمكن الاستفادة من هذه الإمكانيّة العظيمة [للحج] من أجل حلّ مشكلات العالم الإسلاميّ بأفضل نحو ممكن؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطَّاهرين.
بخلفية أنّ الحج خلاصة عميقة لحقيقة "لبّيك اللهمّ لبّيك"، وبنحوٍ يلحظ الأُمّة كمجموع يضع الأرض بمطاف السماء عند بيت الله الحرام، يلزم عليه تأكيد الخالقية كأساس لمرجعية الأُمّة، وطبيعة أدوارها، وأساس تنظيمها، والقضية هنا تدور مدار "لبّيك اللهمّ لبّيك"، بسعة طواعيتها لله، ونبذها للشرك وأوثانه، بمختلف صورها ومشخصاتها. وهذا يعني أن الأُمّة - بعقلها ومرجعيتها وبرامجها وتنظيم وجودها وتوحيد جهودها - يجب أن تصبّ في مشروع الله القائم على كسر الوثنية الفكرية والحضارية والميدانية، ونبذ الخصومة، وتأكيد الوحدانية وفق مبدأ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، وَاتَّقُوهُ، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ): بكل نماذج الشرك العقدي والعملي، وهذا يفترض تأمين برامج وحدة قضايا الأمة، وتعاونها، واتحاد أهدافها. والفريضة هنا تفترض الاكتفاء بما أمكن لتأكيد الدور الإمكاني التصاعدي لجموع الأمة ووحدة مشاريعها، ويلزم من هذا كلّه تذليل الخصومة، وتأكيد مباني الأمة، ولوازم الشراكة السياسية والتعاون الاقتصادي والتضامن الأخلاقي، لتأكيد حقيقة (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
يُعدّ الحجّ فرصة مميّزة من أجل التعبير عن دعم الأمّة الإسلاميّة والحجّاج بشكل خاصّ لأهالي غزّة. ما هي برأيكم الخطوات التي يمكن القيام بها في هذا الصّدد ضمن إطار الحج؟
لأن أصل الحجّ يقوم على البراءة من الشرك بسياق البراءة من المشركين عمليًا؛ يلزم منه تأكيد التوحيد بوصفه قيمة مرجعية للسياسات الكيانية والأهداف الدولية للأمة وميادين قضاياها، بما في ذلك المناسك الكبرى بعالم الحجّ والحجّ الأكبر، وهذا عين الضرورة فيما يتعلق بفلسطين والقدس وقطاع غزة، ومعه لا إنابة لله إلا بنصرة غزة وأهلها كعنوان للحق التوحيدي، وهو عين التوحيد المحاوري الذي يقوم به محور المقاومة على طول الجبهات، ويمر ذلك باجتثاث الصهيونية من أقدس بقاع الله تعالى، وهذا يفترض بحجيج الله تأكيد صوت الأمة الواحد، والتصويب على الوثن الصهيوني ومشغّله الأميركي، وترسيخ فكرة الطواف كفكرة تجمع القيمة التوحيدية لحقيقة (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)، ودون ذلك تظل الإنابة منقوصة؛ لأن القضية عند المطاف تشخيصية، أي لا بد من تشخيص الظالم، لا الظلم فقط، ولا بد من مخاصمة الطاغي، لا الطغيان فقط، وهو متمثّل اليوم بأميركا وإسرائيل والحلف الأطلسي، بوصفها كيانات لا بد من نسف أركان طغيانها من بنية منطقتنا، وما نستطيعه من مناطق العالم المظلوم.
لو كنتم مشاركين بشكل شخصي في حجّ هذا العام، هل كنتم بصفتكم أحد الحجاج ستقدمون على خطوة ضمن إطار دعم قطاع غزة واستنكار الإبادة الجماعية التي تمارسها أمريكا والكيان الصهيوني؟
لأنّ البُعد بهذه المناسك الإلهية بُعدٌ جماعي، ولأنّ البراءة هنا براءة تشخيصية، قطعًا لو كنتُ بهذا المنسك الأكبر لَأقدمتُ ما أمكن من مشهدية الصوت المندّد بوحشية الوثن الصهيوني والقيادة الأميركية الأوروبية التي تعتاش على المذابح العابرة للعالم، ولَشاركتُ بالمشهد الجماعي الذي يعيد إظهار أشلاء قطاع غزة كنموذج لحضارة واشنطن الدموية، واستبدادها الذي يجتاح العالم بالقتل والإبادة والمذابح والدمار. ولا بدّ من فعل ذلك وفق مشهدية الصوت والكادر الواحد، بسعة مفهوم التراكم الجماعي بعالم نصرة الحق عند أعظم المناسك الربانية؛ لأن روح المناسك هنا جماعية، ووظيفية، وذات بُعد عالمي، وقيمتها من قيمة الحق والقوة بميزان الله كأساس للخصومة مع الشيطان الأكبر الذي يتشخص الآن بأميركا وأعوانها، وأكثرها خطرًا في هذه المنطقة (إسرائيل)
ما هي مكانة «البراءة من أعداء العالم الإسلامي» في الحج؟ بعبارة أفضل، إلى أيّ مدى تنطوي البراءة من أعداء الأمّة الإسلامية وعلى رأسهم أمريكا والكيان الصهيوني على الأهميّة، خاصّة في حجّ هذا العام الذي يتزامن مع إبادة المسلمين في قطاع غزّة؟
لأنه حج البراءة؛ لا يمكن إلا أن يكون براءة عملية من الأوثان المختلفة بشخص أوثانها، وبطريقة تطال عتاة شياطين الأرض، وأميركا وإسرائيل والأطلسي أكبر نماذج هذه الوثنية الشيطانية في هذا الزمان. وهذا يفترض البراءة السلوكية من هذه الشياطين على طريق العبادة، والميادين الموصولة بأصل التلبية التي تُحقق مراد الله تعالى من قوله: (فقاتلوا أئمَّة الكُفُر إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)، وذلك بخلفية كبح الظلم عن طريق كسر الظالم، وكفّ الطغيان عن طريق هزيمة الطاغي. وهذا يفترض تعظيم الحق، وتأمين شروط الصّمدية التوحيدية بعالم انتماء الأرض للسماء، ليس بقطاع غزة فقط، بل بكل محاور مناسك الحق بالأرض، لأن القضية هنا قضية انتماء على طريق الطاعة العملية بعالم البراءة والعمل، لا سيما محاور غربي آسيا. وكلما كان الطغيان الوثني أكبر؛ كانت المواجهة الفكرية والطقْسية والمحورية أكبر، وهذا ما يؤكده محور المقاومة اليوم، وفق هرمية مصدر القدرة الأخلاقية لطهران التي أعادت تأسيس قوة الحق العملي بالميادين ذات التشابك الدولي، والتي تجيد كسر وثنية واشنطن، وسحق أركانها، وصعق دعايتها ورموز وجودها بمنطقة الشرق الأوسط، وسط شراكة التوحيد المقاوم الذي يربط طهران بالعراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن تحت عباءة عقل الإمام القائد (حفظه الله وأعزّه) ومدرسته ، والذي يعيد إظهار المناسك العبادية على طريقة الطقوس الفكرية، ووحدة المحاور والجبهات لسحق الوثنيات الكبرى، وتحقيق شرط المنسك الأكبر للحج المحوري، وهو قوله تعالى: (فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ).
...........
انتهى/ 278