ذكريات الحرب الظالمة... "أبو زهراء" المجاهد العراقي يحكي عن الشهيد "أبو أحمد الكاظمي"

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ الحرب الظالمة المفروضة التي افتعلها الغرب وأمريكا وقام بها صدام الطاغي على جمهورية ايران الاسلامية، حملت في طياتها ذكريات حلوة ومرة وصعبة وشديدة، لم يمر يوم إلا فيها خواطر للناس قدموا أنفسهم قرابين في سبيل الله تعالى وذلك في جبهات القتال ضد الطامعين والغزاة، وفي جانب آخر من هذه القصة العظيمة هناك مجاهد قضى سنوات الجهاد في ميدان القتال ضد الطغيان والظلم المتمثل بصدام وحزبه البائد، (قاسم البغدادي) الذي خدم 30 عاما من خلال العمل في المجمع العالمي لأهل البيت (ع) فرع قم، والمكنى "بأبي زهراء"، والمعروف في أوساط الموظفين، حيث تتردد كنيته على ألسن الكثيريين الذين يكنون له الاحترام والحب. يتحدث الفارسية المزيجة بلكنة عراقية. له ذكريات وخواطر عن الحرب الظالمة التي فرضت على جمهورية ايران الاسلامية والتي قام بها حزب البعث البائد، وتطوّع في المشاركة للقتال في صفوف المؤمنين المجاهدين.
أتيحت فرصة الحوار مع أبي زهراء للإستماع إليه حول ذكرياته عن الحرب وهجرته الى الجمهورية الاسلامية .
فيما يلي نص الحوار:

انتم من موالید بغداد وعراقي الجنسية؛ ما سبب هجرتكم الى جمهورية ايران الاسلامية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، بداية اشكركم على إتاحتكم هذه الفرصة للحوار، هاجرت إلی جمهورية ايران الاسلامية في ظروف كانت صعبة للغاية، كنت أزوال دروسا جامعية بالمرحلة النهائیة في جامعة صلاح الدين بمحافظة اربيل شمال العراق، سمعنا من خلال الإذاعات حول شخصية الإمام الخميني (ره) وثورته المباركة، وكانت الدعوة آنذاك استضافة الوافدين الى ايران الاسلامية، وانها البلد الثاني للوافد الجديد، وهو بلد علي والحسين والشيعة، استقر بنا الرأي ان نلجأ الى ايران مع بعض الأخوة، عن طريق دفع الأموال للأكراد الذين يعرفون الطريق السالك الى ايران، وبلطف الهي والحمد لله استطعنا العبور مستنقعات استحدثها صدام المجرم والهدف منها منع عملية الهروب الى إيران. وبعد خمسين يوما قضيناها مشيا على الأقدام اتسمت بالتعب الشديد والقلق الكبير وصلنا الى منطقة «سر دشت» الايرانية، ثم بعد ذلك انتقلنا الى بلدة «خوي» حيث فيها مخيمات عسكرية لللاجئين، وجاءت الفرصة المناسبة لنتطوع في الحرب للقتال ضد صدام الطاغي بعد ان عملت مع احد عناصر الحرس الثوري الايراني في منطقة "سردشت" .

هل تسبب لجوئك الى ايران بأي مشكلة لأسرتك في العراق على يد زمرة حزب البعث ؟
عائلتي تتكون من ثلاثة عشر شخصا، منها عشر بنات، وانا الولد الوحيد بينهن، ولقد سبّب هروبي الى ايران مشاكل كبيرة، تعرضت أسرتي على إثرها لمضيقات شديدة متواصلة أثناء مجيئ عناصر الأمن الصدامي يطلبوني، ويحققون في قضية هروبي الى ايران. وفي الحقيقة حبي الشديد للإمام الخميني رضوان الله تعالى وثورته الاسلامية المباركة جعلنا ان اتحمل كل هذا العناء الكبير في تواجدي في ايران الاسلامية.

الذي يُعاشرك يسمع منكم كثيرا عن اسم الشهيد "أبو أحمد الكاظمي" وذكرياته، مَن هو الشهيد أبو أحمد الكاظمي ومتی وکیف تعرفت علیه ؟
في أيّ عملية عسكرية شارك فيها الشهید ابو أحمد ضد صدام وحزبه البائد ؟
شارك ابو احمد في کثیر من عملیات عسكرية في جنوب وشمال العراقِ، وفي آخر عملية شارکنا معه بمنطقة "قره داغ" الجبلية الوعرة بین محافظة کرکوك والسلیمانیة، فذهبنا الى هذه المنطقة وبقینا فيها مدة سنة وشهرین ونفذنا عملية "ظفر 6" العسكرية، كان ذلك بمساعدة الاخوه الاكراد الذين هيئوا لنا مقرات فيها ذخائر وأسلحة، وعلِم صدام انّ هناك مجموعة من العراقيين في فيلق بدر والايرانيين داخل العراق، فشنت قواته الجوية هجوما علينا بثمان طائرات حربية تقريبا قصفت المنطقه كلها بالمواد السامة (الاسلحة الكيميائية المحرمة دوليا) أصبنا بالسلاح السام وكان ابو احمد الكاظمي في ذلك الوقت يخدم الاخوه اللاجئين الذين فروا من مناطقهم في العراق بسبب القصف الشديد، والأسرى الذين كانوا بمعيتنا. الشيء الذي يجب ذكره انه كان كثير العبادة والعمل وقليل النوم، وذات يوم قصد المجاهد "نقدي" لقاءه وهو يعرفه جيدا آنذاك، فلم يستطع ذلك بسبب إمتناعه، وبذلك اشتهر بين المجاهدين انه يخلد الى الله تعالى بعبادته دون ان يمزجها بلقاء أو حديث مع الآخرين، مندكا في خدمتهم. واللافت في الموضوع انه ما فكّر يوما في ان يستلم منصبا أو يصبح مسؤولا قط، تجده يطبخ الطعام للمجاهدين ويغسل ملابسهم ويلبي طلبهم عند السؤال. كانت أخلاق الشهيد أبو احمد الكاظمي عظيمة جدا .

ما هي مهمة الشهید أبو أحمد في الفلق ؟
کان أبو أحمد الکاظمي مسؤول (النقل والتموین) في الفلق، اختارني معاوناً له، والمسؤول الأول أبو موسی الکاظم، وهو یعمل الآن بقناة العالم في طهران، ومسؤوليته كان من أجل تقديم كافة الخدمات للمجاهدين، فتراه يستيقظ باكرا في الساعة الرابعة أو الخامسة صباحا ليهيئ عجين الرغيف، ليخبز، ثم يعدّ طعام الفطور، وبعد ذلك يغسل الصحن، ثم يخبز لوجبة الغداء ثم يُعد الطعام لهذه الجبة وهكذا ينشغل بغسل الصحن، يكرر هذا العمل يوميا، في أوقات البرد والحر الشديدين، كان يصوم دائما ويفطر على كأس حليب والخبز اليابس المتبقي من الوجبات السابقة، وكان يتمتع بالقوة مع انه نحيل البدن، وتسمعه على الدوام يردد: "الأسرى الأسرى"، لأنه كان يخدمهم بشكل متواصل وباهتمام كبير؛ لسبب كونهم أسرى ضعفاء، والشيء العجيب اننا سمعناه يتحدث عن استشهاده انه طلب من الله تعالى ان لا يكون له قبر، فجاء ذاك اليوم واستشهد فيه، ظلت جثته لأيام دون ان تدفن، وبعد مدة وجده الأخوة الأكراد ودفنوه .

هل کان الشهید ابو أحمد الکاظمي یستلم راتبا شهريا من الفیلق ؟
لا يتقاضى الشهيد أبو أحمد الكاظمي راتبا، مع انه تعهّد لي بالزواج في حال اذا بقينا سالمين، قائلا : "سوف أزوجك بأموالي"، كان هناك من يسألونه في انه هل التقى أهل البيت (ع) ؟ فلا يجيبهم ويتهرب، وذات مرة سألته حول هذا الموضوع، فرد قائلا : لو أجبتهم بالنفي فإني كذبت عليهم، وان أجبتهم بالحقيقة فلا يتركوني لشأني .

متی وکیف استشهد ابو أحمد الكاظمي ؟
استشهد أبو أحمد الكاظمي بعد ان شنّت قوات حزب البعث البائد بأمر من صدام الطاغي على المنطقة بالأسلحة الثقلية، واستجاب الله تعالى دعاءه واستشهد وتُركت جثته لأيام عند الجبل دون ان يُدفن ويكون له قبر، وسمعت فيما بعد من الأخ "ابو ايوب البياتي" انه يقول: ان الاكراد دفنوه في المكان الذي استشهد فيه. ذات يوم سألته عن كيفية وصوله الى هذا المقام السامي العظيم عند الله تعالى، أجابني قائلا انه كان يخدم جدته الطاعنة في السن والتي لم يكن بجانبها أحد غيره، فكان يقوم بخدماته دائما ويستصحبها عندما يحملها على ظهره الى زيارة الإمامين الكاظمين (ع)، ويأخذها الى نهر الدجلة للاستمتاع بمنظره لكي تخرج من العزلة والوحدة التي تلازمها طوال النهار بسبب عجزها عن الحركة والنهوض، فدعت لي بالقول : "الله يوفقك يا ابني" .

کیف عُدتم إلی الأراضي الإیرانیة بعد انتهاء عملیة ظفر 6 العسكرية ؟
عُدنا بعد القيام بالعملية العسكرية الى ايران مجموعة مجموعة، يبلغ عددنا الأربعين، وذلك مشيا على الاقدام خلال أربعين يوما مع إصابتنا بالمواد السامة (السلاح الكيميائي) سرنا في مناطق جبلية وعرية يقطنها الأكراد، اسطعنا بعد ذلك ان ندخل الأراضي الايرانية مع الأخ "هادي العامري" وهو الآن الأمين العام لمنظمة "بدر" في العراق، ولا يخفى ان الكثيرين منا قد استشهد أثناء الطريق ولم يدرك الوصول.

کیف تهيئ لكم العمل في المجمع العالمي لأهل البیت علیهم السلام ؟
.....................

انتهى  /  323