وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ كان لاتساع رقعة الدولة الاسلامية واتصالها وتداخلها مع غيرها من بلدان العالم الشرقية والغربية، الاثر الواضح في اتخاذ فن العمارة الاسلامية نمطاً من التشكل والتصميم المميز بها، هضمت فيه ما كانت عليه الطرز المعمارية المختلفة في تلك البلدان، ولتسبغ عمارتها بحلة املتها طبيعة ما ساد من فكر ديني ليظهر نمط من البناء كان قد شاع في البلاد الاسلامية دون غيرها، عبر مظاهر وحلل من التصاميم التي شكلت هويته وطبعته بطابع فني ميزها عمن سواها.
بدأ اتصال العالم الإسلامي بشبه القارة الهند وثقافة شعبها منذ القرن الثامن الهجري في فترة الحكم الأموي ، على أن هذا الاتصال ازداد توثيقاً في العصر الذي تلاه، وعلى وجه الخصوص في عهد تأسيس الدول الإسلامية في أفغانستان واقليم البنجاب أواخر القرن الرابع الهجري، حيث الاهتمام بالعمائر الاسلامية وطرق بنائها وتزيينها لتظهر بأجمل حللها واغربها، حيث تشير الدراسات والشواهد الاثرية الحاضرة حتى اليوم الى ان أقدم ما تبقى من العمائر الإسلامية في الهند يرجع إلى عصر الحاكم ( قطب الدين أيبك )الذي تمكن من توحيد حلم الولايات الإسلامية في الهند عام ( 588هـ ـ 1192م ) وصارت مدينة دلهي عاصمة للدولة الهندية الإسلامية.
ومن الواضح لأي متتبع لمسيرة الفنون الاسلامية وطرزها الفنية العمارية، ان الفنون الهندية تنفرد بأساليب وتقنيات في تنفيذ عمائرها، فنجد فيها استخدام منقطع النظير لقطع الحجارة المختلفة بغية الحصول على استدارات العقود المدببة ، وهذه توجد في الأعمدة الهندية القديمة المشكلة تيجانها على شكل زهرة اللوتس، على أن أهم ما ظهر في احد مساجدها المتميزة بعمارتها ذات الطراز الهندي ، هو مئذنة مضلعة اطلق عليها تسمية ( قطب منار).. والمشيدة من خمس طبقات من الحجر الأحمر المرصوف بدقة متناهية، وقد زينت بنقوش وزخارف نباتية واخرى كتابية مبهرة للمشاهدين، ومن الملاحظ بصفة عامة حين التعرض لهذه المئذنة او غيرها من العمائر الهندية الاسلامية، أن هناك تشابهاً بين الطراز الهندي والطراز الإيراني الصفوي المعماري، ولكن هذا لم يمنع ظهور هوية هندية مستقلة استمدت مقوماتها من جذور الفن الهندي القديم وتقاليد الصناعة الهندية التي اتجهت الوجهة الإسلامية ، ويظهر للمتتبع للحركة الفنية الاسلامية في الشرق بشكل عام والهند بشكل خاص ومن خلال دراسة بعض الشواخص الاسلامية في الهند مثل مسجد مدينة (جاونبور) الذي شيد عام ( 811هـ ـ 1418م ) أن العمارة تظهر فيه وهي محملة بمزيج من فن العمارة الهندية المحضة المعروفة في العصر الإسلامي في الهند وتصميم المعبد الهندي الوثني الاول، مع استخدام بعض العناصر السلجوقية كالقباب والبوابات المرتفعة والتي تشبه قاعة الإيوان في عمارة المساجد السلجوقية الطراز، ويبدو ان خلاصة التطورات الفنية التي توصل إليها المعماري الهندي المسلم كانت بعد سلسلة من التجارب للجمع بين العناصر الهندية والإسلامية ، ومنها مسجد الجمعة الذي أنشأه (شاه جاهان) في دلهي وهو من أهم المساجد الهندية ، أما ضريح ( تاج محل ) الذي شيده أيضاً ( شاه جاهان ) على ضفة نهر ( جمنا ) والذي يعد من أجمل العمائر الهندية وابرزها حضوراً في فن المعمار ذي الطراز الاسلامي الهندي .
من خلال ذلك يقف المتصفح والباحث في تاريخ المساجد المقامة في الهند على مجموعة من الأسس المعماريَّة والحضاريَّة الخاصَّة بها، والتي نشأت من مجموعة عوامل أثَّرت فيها تأثيرًا كبيرًا ومباشرًا، فقد كانت المساجد الهندية على شاكلة الحصون والقلاع، التي تحتمي وراء أسوارها الجماعة المسلمة الناشئة في ساعة الخطر، فضلا عن انها تُبهر أنظار الهنود وتجتذبهم إلى الدين الجديد، بعد أن تعوَّدوا أن يروا مباني أديانهم السابقة في أعلى قدر من الفخامة والضخامة، ومن ابرز واجمل تلك المساجد الباهرة مسجد "قطب منار" المذكور انفا في نيودلهي بالهند، حيث يُعدُّ أوَّل شاهد على دخول الحضارة الإسلامية إلى شبه القارة الهندية، وتُعتبر منارته الأطول من نوعها في الهند وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في إشبيلية، وقد سمي المسجد في البداية يسمى بمسجد ( قوة الإسلام )، حيث بُني في عهد السلطان قطب الدين أيبك أوَّل سلاطين المماليك في الهند، واستمرَّ العمل قائمًا فيه قرابة خمس سنوات. إلَّا أنَّ السلطان قطب الدين تُوفِّي بعد تأسيس المسجد، وكانت مئذنته من طابق واحد، ثم بنى خليفته شمس الدين ألتمش الطابقين الثاني والثالث، وفي عهد الدولة التغلقية زاد السلطان فيروز تغلق شاه الطابقين الرابع والخامس، وقد بُنِي المسجد بعددٍ كبيرٍ من الأحجار الرمليَّة الحمراء التي اقتلعت اغلبها من المعابد الهندوسية القريبة من المسجد، بينما بني المستويان الأخيران من الرخام الأبيض، وجدران المبنى مزخرفة بالنقوش والآيات القرآنيَّة.
وقد تميَّزت منارة هذا الصرح الفني الاسلامي بارتفاع المئذنة البالغ( 72.5 )مترًا من أصل (80 ) مترًا، ويوجد بداخلها درج حلزوني يمكن عن طريقه الوصول إلى اعلى المئذنة، فيما يبلغ القطر في القاعدة (14.3 )مترًا، ولا يتجاوز الـ (2.7 )أمتار في أعلى المبنى، كما يضمُّ المجمع بجوار المسجد مباني أخرى، ويستقطب إليه جموعًا كبيرةً من السُّيَّاح كلَّ عام، ولهذا أدرجته منظمة اليونيسكو في قائمة التراث العالمي، وتتضح التأثيرات الإيرانية في واجهة المسجد ، في حين تبدو التأثيرات الهندية في القبة والمآذن وأبراج الزوايا الأربعة ، ويتضح من دراسة الفن الإسلامي في الهند ميل الفنان المسلم إلى الاحتفاظ بالكثير من الأساليب المعمارية والزخرفية المحلية المستمدة من تقاليد فنية هندية معروفة في الهند قبل الإسلام ، بحيث لم يتمكن الفن الإسلامي الذي انتقل إلى الهند عن طريق إيران من إذابتها فيه، مثلما حدث في مناطق أخرى من العالم الإسلامي
........
انتهى/ 278
المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الجمعة
٤ ديسمبر ٢٠٢٠
٥:١٨:٤٠ م
1092162
ومن الواضح لأي متتبع لمسيرة الفنون الاسلامية وطرزها الفنية العمارية، ان الفنون الهندية تنفرد بأساليب وتقنيات في تنفيذ عمائرها.