وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ في ذكرى ولادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام :
اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا هادِي الاُْمَمِ
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِي النِّعَمِ
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيبَةَ الْعِلْمِ
اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا سَفينَةَ الْحِلْمِ
اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا اَبَا الاِْمامِ الْمُنْتَظَرِ الظّاهِرَةِ لِلْعاقِلِ حُجَّتُهُ وَالثّابِتَةِ فِى الْيقينِ مَعْرِفَتُهُ الْمُحْتَجَبِ عَنْ اَعْينِ الظّالِمينَ وَالْمُغَيبِ عَنْ دَوْلَةِ الْفاسِقينَ وَالْمُعيدِ رَبُّنا بِهِ الاِْسْلامَ جَديداً بَعْدَ الاِْنْطِماسِ وَالْقُرْآنَ غَضّاً بَعْدَ الاِْنْدِراسِ .
الامام أبو محمد الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).
قال الشيخ المفيد: ولد بالمدينة، وقيل ولد بسامراء، والصحيح الأوّل، يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الآخر، وقيل يوم اثنين رابعه، وقيل في العاشر منه، وقيل في ربيع الأوّل سنة 231 أو 232 للهجرة.
غمر النبيُّ وآله صلوات الله عليه وعليهم هذا الوجود ببركاتهم وفضائلهم وآثارهم الكريمة ، فكانت كلّ أفعالهم وأقوالهم ـ وهم المعصومون ـ سُبلَ هداية وأشعّةَ نور وأسباب تقوى ودلائل إيمان وعلامات خير.
وكان من فضلهم الوافر على الناس أن بيّنوا لهم شيئاً من معالم القرآن الكريم ومفاهيمه ، وكشفوا لهم عن بعض معانيه وتأويلاته ومقاصده. وقد اشتهر للإمام محمّد الباقر عليه السّلام تفسير ، كما اشتهر للإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام تفسير أيضاً ، بيّن فيه فقرات كلّ آية ، وربّما انسابَ حديثه إلى بحث روائيّ.
وإذا كان البعض قد توقّف في نسبة هذا التفسير إلى الإمام العسكريّ عليه السّلام لأسبابٍ يراها.. فإنّ الأعاظم من العلماء كالصدوق والطبرسيّ والراونديّ وابن شهرآشوب والكركيّ والشهيد الثاني والشيخ المجلسيّ الأوّل ( محمّد تقيّ ) والمجلسيّ الثاني ( محمّد باقر ) والحرّ العامليّ والفيض الكاشانيّ والسيّد هاشم البحراني والشيخ الحويزيّ العروسيّ والشيخ الأنصاريّ.. وغيرهم ، قد عدُّوا هذا التفسير من الكتب المعتمدة .
لقد كان الإمام العسكري(عليه السلام) كآبائه أُستاذاً للعلماء وقدوة لسالكي طريق الحقّ، وزعيماً للسياسة، وعلماً يُشار إليه بالبنان، وتأنس له النفوس وتكنّ له الحبّ والموالاة، فكان من ذلك أن اعترف به حتّى خصماؤه.
وهذا أحمد بن عبيد الله بن خاقان واحد منهم، يصفه ببعض جوانبه وتعلّق الناس به وإكبارهم له، إذ يقول: «ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا في هديه وسكونه، وعفافه ونبله، وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء وعامّة الناس».
وفي سيرته(ع) أنَّه بلغ عدد الرواة عنه 149 حدّثوا عنه بلا واسطة مع الاختلاف في وثاقتهم ومنازلهم، ما يدلُّ على اهتمام المجتمع الثقافي آنذاك بالمكانة العلميّة التي يمثّلها الإمام الحسن العسكري(ع)، لأنَّ الرواة ليسوا مجرّد أشخاص يسألون، بل كانوا يمثّلون أساتذة المجتمع في الثقافة الإسلاميّة، ومواقع المعرفة فيه.
وقد ذُكر في كتاب "المناقب" أنَّ من ثقاته: "عليّ بن جعفر، وأبا هاشم داود بن القاسم الجعفريّ (وقد عاصر خمسةً من الأئمة)، وداود بن أبي يزيد النيسابوريّ، ومحمد بن علي بن بلال، وعبد الله بن جعفر القمّي، وأبا عمرو عثمان بن سعيد العمريّ الزيّات، وإسحاق بن الربيع الكوفيّ، وأبا القاسم جابر بن يزيد الفارسيّ، وإبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوريّ.
وقد روى المجلسي عن الصدوق عن الدقاق عن الأسدي عن سهل بن عبد العظيم الحسني، قال: "كتبت إلى أبي جعفر الثاني(ع) أسأله عن ذي الكفل ما اسمه؟ وهل كان من المرسلين؟ فكتب صلوات الله وسلامه عليه: بعث الله تعالى جلَّ ذكره مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّاً، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وإنَّ ذا الكفل منهم، صلوات الله عليهم، وكان بعد سليمان بن داود(ع)، وكان يقضي بين النّاس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلا لله عزَّ وجلّ، وكان اسمه عويديا، وهو الذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه، حيث قال: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌّ من الأخيار} .
وعن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده عن عبد العظيم الحسني عن أبيه عن أبيه موسى عن ابائه عن عليّ، قال: "بعثني النبيّ(ص) إلى اليمن، فقال لي وهو يوصيني: يا عليّ، ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدُلجة، فالأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار.. يا عليّ اغدُ بسم الله، فإنَّ الله بارك لأمتي في بكورها".
وفي هذا الحديث دلالةٌ على أنَّ العلم الذي علّمه رسول الله(ص) لعليٍّ(ع) كان علماً ينفتح على أكثر من أفق لأكثر من علم، ما يوحي بأنَّ الإمام عليّاً(ع) كان التلميذ الذي يحرّك ما يتعلّمه من رسول الله(ص) في إنتاج علمٍ جديد. وهذا الحديث يتفق مع الحديث المأثور عن الإمام(ع): "علّمني رسول الله ألف بابٍ من العلم فتح لي من كلِّ باب ألف باب".
وعن الصدوق بسنده عن عمرو بن أبي المقدام قال: "سمعت أبا الحسن أو أبا جعفر(ع) يقول في هذه الاية: {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة:12] قال: إنَّ رسول الله(ص) قال لفاطمة(ع): إذا أنا متُّ، فلا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا ترخي عليَّ شعراً، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة. ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه: {ولا يعصينك في معروف}".
وفي تحف العقول: كتب إلى بعض أوليائه: "أمَّا هذه الدنيا، فإنَّا فيها مغترفون، ولكن من كان هواه هوى صاحبه، ودان بدينه، فهو معه حيث كان، والآخرة دار القرار".
إنَّ هذا الكتاب يدلُّ على أنَّ الانتماء الشعوري والفكري لأيِّ إنسان يجعله في الموقع الذي يُحشر فيه في يوم القيامة الذي يستوي فيه النّاس بحسب مشاعرهم وعقائدهم.
وقال(ع): "كانت مبايعة رسول الله(ص) النساء أن يغمس يده في إناءٍ فيه ماء، ثم يخرجها وتغمس النساء بأيديهنَّ في ذلك الإناء بالإقرار والإيمان بالله والتصديق برسوله على ما أخذ عليهنّ".
ولعلَّ هذا الأسلوب النبويّ ناشىءٌ من حرمة مصافحة الرجل للنساء الأجنبيّات. وقد رُويَ عن النبيّ(ص) أنَّه قال عند مبايعته للنساء: "إنّي لا أصافح النساء"، وعن محمد ابن يعقوب عن محمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي هاشم الجعفري، ورواه الصدوق في كتاب التوحيد مسنداً قال: حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، حدّثني محمد بن بشير عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي جعفر الثاني(ع)، فسأله رجل فقال: أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه، وأسماؤه وصفاته هي هي؟. "المراد بالأسماء، ما دلَّ على ذاته المقدسة مثل الله ولفظ هو الدال على الهوية المطلقة الصرفة الحقّة، وبالصفات ما دل على الذات الملحوظة معها صفة مخصوصة مثل الرحمن والرحيم والعالم والعليم والقادر والقدير وأمثال ذلك".
و مما وصف الشبراوي الامام العسكري ، بهذا البيت الذي ترعرع فيه الامام الحسن العسكري (ع) قائلا:
فلله درَ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف
وناهيك به من فخار، وحسبك فيه من علوَ مقدار، فهم جميعا في كرم الارومة وطيب ... كأسنان المشط متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلا ونُبلا وسما على الفرقدين منزلة ومحلا ... وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيَعوا من حقوقهم ما لايهمله الله ولا يضيعه.
لقد کان الامام العسکري (ع) استاذ العلماء وقدوة العابدين ، وکان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحب والولاء، کما کانت تهفو الی ابيه وجده اللذين عُرف کل منهما بابن الرضا (ع) .
اعداد و تدوين علي اكبر بامشاد
...........
انتهى/ 278