وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ القرآن الكريم هو النداء الإلهي لهداية الإنسان، فيهديه إلى مصدر النور، وينقذه من الظلمات، وذلك في قوله تعالى: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ...» سورة البقرة .
بسم الله الرحمن الرحيم
«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (التوبة، الآية ۳۲)
للأسف الذريع مرة أخرى نشاهد اليوم سلوكا مسيئا إلى الساحة المقدسة للقرآن الكريم والنبي الأكرم (ص) في بعض الدول الإروبية التي تبدو متحضرة، ومن نماذجها الأخيرة حرق القرآن في السويد، ونشر رسوم مسيئة إلى النبي (ص) في إحدى مجلات فرنسا مما جرح قلوب الموحدين والمعتقدين بمدرسة الأنبياء وآلمها، في حين أن مثل هذه التصرفات لا تليق بتاتا لمجتمع متحضر في الوقت الراهن.
القضية التي تطرح نفسها هنا، هي أن مثل هذا السلوك هو في الواقع لم يكن مؤامرة وإثارة للعداء بين الأديان فحسب، بل قد تأتي لعدم معرفة القرآن الكريم، وإذا لم يكن كذلك، فلماذا أتباع الأديان التوحيدية تلزم الصمت حيال هذا الفعل الجاهلي، ولم يدينوا هذا السلوك كما ينبغي لها !
ما إذا علم المسيحيون واليهود أن القرآن ذكر أنبيائهم بأفضل صورة وبأحسن الأوصاف، وليس لمرة واحدة أو مرتين، بل لمرات عديدة لتغيّر رؤيتهم إلى القرآن الكريم.
ومن النقاط الملفتة للنظر أنه القرآن الكريم ذكر اسم 26 نبياً، وأكثر ما تطرق من بينهم إلى النبي موسى (ع)، حتى ورد اسمه 136 مرة في 36 سورة من القرآن وفي 420 آية منه.
إن قصة النبي موسى (ع) منذ ولادته وفي مختلف مراحل حياته المليئة بالتحديات وردت بالتفاصيل في القرآن الكريم حيث تحدث القرآن عن الوضع المؤسف لبني إسرائيل في زمن فرعون إلى أن خرج موسى (ع) من مصر، وتوجه إلى مدين، وزواجه من إحدى بنات النبي شعيب، وحكاية لقائه بالخضر(ع)، وقضية تكلم النبي موسى(ع) مع الله ورؤية النور الإلهي، ونبوته من قبل الله، ودعوته، ومواجهته لفرعون، وإنقاذ بني إسرائيل من الظلم والاضطهاد، وحكاية إعجاز عصاه، وإيمان السحرة في حضور فرعون، وخروج بني إسرائيل من مصر، وحكاية انفلاق نهر النيل بضرب عصا موسى(ع)، ومن ثم شقه، واجتياز بني إسرائيل من النهر، ثم غرق فرعون وجماعته في نهر النيل؛ فجميع هذه الأحداث قد وردت في مئات الآيات من القرآن الكريم.
وقد ورد أيضا اسم النبي عيسى(ع) المبارك 25 مرة تحت عنوان عيسى و13 مرة تحت عنوان المسيح، كما ذكر القرآن الكريم وبأفضل صورة حكاية السيدة مريم وولادة النبي عيسى (ع) وجميع أحواله في آيات عديدة من القرآن، حتى سميت سورة من سور القرآن بـ 98 آية باسم السيدة مريم، وقد ورد أحوال هذه السيدة الطاهرة وولادة النبي عيسى (ع) وتكلمه في المهد عن طريق الإعجاز: « قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا».
فإن القرآن الكريم في مجموع الآيات التي تحدثت عن النبي موسى والنبي عيسى (علیهماالسلام) ذكرهما بصورة جلية وواضحة، وقد وصفهما في معظم الآيات بالتكريم والتعظيم، في حين أن ما ورد في العهدين ــ وبما أنهما تعرضا إلى التحريف ـ لم نجد مثل ما وصفهما القرآن، بل حتى نسبا إليهما الأثم والذنب، لكن القرآن يعتبر أن جميع الأنبياء بلغوا مقام العصمة، خاصة أنبياء أولو العزم أي: النبي نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى(علیهمالسلام)، والنبي محمد(ص) فإن لهم مكانة خاصة وسامية من دون سائر الأنبياء.
كما أن القرآن الكريم ذكر النبي نوح 43 مرة، والنبي إبراهيم 68 مرة، والنبي لوط 27 مرة، والنبي آدم 25 مرة، والنبي يوسف 27 مرة، والنبي إسماعيل 12 مرة، والنبي إسحاق 17 مرة، والنبي شعيب 11 مرة، والنبي صالح 9 مرات، والنبي هود 7 مرات، والنبي يونس 4 مرات، والنبي داوود 16 مرة، والنبي هارون 20 مرة، والنبي عزير مرة واحدة، والنبي إدريس وإلياس، واليسع، وذو الكفل، كل واحد منهم مرتين.
أما الاسم المبارك للنبي الأكرم محمد(ص) فقد ورد أربع مرات باسم محمد ومرة واحد باسم أحمد، كما أنه ذكر بألفاظ مثل رسول الله، والرسول، والنبي الأمي في آيات عديدة.
ملخص الكلام، أن قسما كبيرا من القرآن اختص لأحوال الأنبياء، وللشاعر الفارسي «مولوي» أبيات رائعة في هذا المقام، يقول: عندما تلتجأ إلى القرآن الكريم وتقرأه / فإن روحك يختلط بأرواح الأنبياء إذ أن القرآن يتحدث عن أحوال الأنبياء وتاريخهم وهم (أي: الأنبياء) بمثابة أسماك يسبحون في بحر الكبرياء الإلهي وقد تقرأ القرآن لكن قلبك لم يتوجه لما تقرأ، فيجب أن تكون روحك تتقبل القرآن وتعيه.
إن الغاية من القرآن الكريم نزل لوحدانية الله ومعرفته، لكن بصورة دعوة الأنبياء للناس، كما أن الاعتقاد بالمعاد في يوم القيامة أيضا من تعاليم الأنبياء، وقد خصص لهذا المعتقد قسما مهما من آيات القرآن، وما يقارب من 500 آية من القرآن أيضا تتعلق بالأحكام الشرعية والأعمال التعبدية، وما بقي من الآيات تطرقت إلى الأخلاق، والجدير بالذكر أن محاربة الأنبياء ضد المستكبرين وإقامة العدل والقسط وتحريض المؤمنين للجهاد في سبيل والشهادة أيضا تعد من تعاليم الأنبياء، كما أن نضالهم ضد الظالمين وبسط العدل والحفاظ على حقوق الإنسان، والحد من الاعتداء والاضطهاد مما أكد عليه القرآن الكريم.
ما إذا أراد الإنسان أن يعرف الأنبياء بصورة صحيحة ودقيقة فعليه أن يعرف النبي عيسى (ع)، أو النبي موسى (ع)، أو النبي الأكرم (ص) والأئمة الأطهار عليهم السلام، وليراجع القرآن أيضا؛ فالقرآن هو النداء الإلهي لهداية الإنسان، فيهديه إلى مصدر النور، وينقذه من الظلمات، وذلك في قوله تعالى: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ...» فالآن، انظروا يا لها من اضطهاد بحق البشرية عندما توّجه هذه الإساءة إلى القرآن الذي كله نور وهداية وشرح لأحوال الأنبياء ورسالتهم، فهؤلاء (أي: المسيؤون إلى القرآن) شياطين يسعون إلى بقاء الإنسان في الظلمات حتى يواصلوا حكمهم الظالم، لكنهم في غفلة من الإرادة الإلهية التي تريد أن تصبح نهاية العالم بيد دولة الصالحين، وهذه الحقيقة لم تذكر في القرآن فحسب، بل وردت في التوارات والزبور، وذلك في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ» (الأنبياء، الآية ۱۰۵) ليعلم الجبابرة والظالمين والمستكبرين أن القرآن وصفهم كزبد يطفو على البحر، وأن جميع مساعيهم تبوء بالفشل ودون جدوى.
«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».
بقلم: خادم القرآن الكريم، مرتضى نجفي قدسي
..................
انتهى / 232