وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الأحد

١٠ مايو ٢٠٢٠

١:٢٩:٠٣ م
1035514

قراءة في خلافة سبط النبي الإمام الحسن (ع) ومقتضيات الصلح

سبب تنازل سبط النبي الاكرم الامام الحسن (عليه السلام) عن الخلافة لمعاوية كان نتيجة لتضعضع جيشه وخيانة بعض قادته ورؤساء قبائل أهل الكوفة، بالإضافة الى حقن دماء المسلمين.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ بويع الإمام الحسن (عليه السلام) في الكوفة بعد استشهاد أبيه امير المؤمنين بيومين من شهر رمضان المبارك أواخر سنة أربعين للهجرة، وكان في السابعة والثّلاثين من عمره، ولكنّ المشكلة الّتي واجهت الامام الحسن (عليه السلام) هي الاهتزاز في جيشه، وقد أشار الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في حديثه عن خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) فيقول : "ثم بايعوا الحسن بن علي (عليهما السلام) بعد أبيه وعاهدوه، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه ، حتى طعنوه بخنجر في فخذه، وانتهبوا عسكره ... فصالح معاوية ، وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته" [1]، يمكن القول ان هذه رواية مختصرة تبين الخطوط العريضة للأحداث السياسية التي عاصرت سبط النبي الاكرم الامام الحسن (عليها السلام) في أثناء خلافته القصيرة التي دامت ستة اشهر .

 تؤكد المصادر التاريخية ان عبيد الله بن عباس وهو احد قادة جيش الإمام (عليه السلام) الذي بعثه على رأس اثني عشر ألفاً لقتال معاوية، قد انحاز إلى صف معاوية بعد ان راسله الأخير ووعده بألف ألف درهم جزاء تركه الإمام (عليه السلام) ووقوفه بصفه، وكانت رسائله تذهب إلى معاوية فنجح معاوية في اضطرب المعسكر الامام وأصبح الجيش من دون قيادة ، وهذه إشارة إلى غدر وخيانة واضحة من قبل اقرب أقرباء الإمام (عليه السلام) واحد قادة جيشه.

ويوضح محمد جواد فضل الله  الطريقة التي اتبعها معاوية ابن ابي سفيان في استقطاب القادة المناوئين قائلا: "كان أسلوب معاوية في حربه مع أعدائه هو استغلال نقاط الضعف في خصمه ، واستغلال كل ما من شانه ان يوهن العزيمة ويشل القوى فيه.. وهكذا انكفأ ابن عباس على نفسه واستجاب لداعي الخسة والخيانة ، مستسلماً لعدوه الذي وتره بابنيه ، مخلفاً ورائه لعنة التاريخ" ، ويضيف مستنكراً : "وقد شاء لنفسه ان ينحدر إلى هذا المستوى الساقط فيدخل في حمى معاوية ليلاً ، دخول المهزوم المخذول الذي يأباه كل حر له ضمير لو كان حراً"[2] .

أما عن مرحلة الصلح الذي تمت بين سبط النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ومعاوية ، والتي تعتبر من اصعب مراحل واكثرها تعقيداً وحساسية وأشدها ايلاماً، حيث ذكر المؤرخون ان الامام الحسن  بعد ان رأى الخيانة الواضحة من قبل قائد الجيش عبيد الله بن العباس الذي التحق بمعاوية، فضلا عن مراسلة  بعض رؤساء القبائل في الكوفة لمعاوية ابن ابي سفيان الذين أغدق عليهم الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطاعة وعاهدوه على تسليم الامام الحسن حيّاً أو ميتاً، وهذا ما اكده ابن شهر اشوب "كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الإمام الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوه من عسكره"[3]، ويمكن القول ان الامام الحسن لم يبق امامه سبيل غير القبول بالصلح وترك أمر الحكم لمعاوية مدة من الزمن، وكما لم تذكر المصادر التاريخية نصاً صريحاً لكتاب الصلح، الذي يعتبر الوثيقة التاريخية لنهاية مرحلة من اهم المراحل التاريخ الاسلامي، يمكن ان نجمل الأسباب التي دعت الإمام (عليه السلام) للصلح مع معاوية بالاتي :

أولا : روى الشيخ الصدوق في كتابة "علل الشرائع" سأل الإمام الحسن (عليه السلام) عن السبب الذي دفعه إلى الصلح مع معاوية من أنّه (عليه السلام) يعلم أنّه على الحقّ وأنّ معاوية ضالّ وظالم ، فأجابه الإمام (عليه السلام) : " يا أبا سعيد ، ألستُ حجّة الله تعالى ذكره على خلقه ، وإماماً عليهم بعد أبي (عليه السلام) ؟ قلتُ : بلى ، قال : ألستُ الذي قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ؟ قلتُ : بلى ، قال : فأنا إذن إمام لو قمتُ ، وأنا إمام إذا قعدتُ ، يا أبا سعيد عِلّةُ مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضُمْرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، اُولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ، يا أبا سعيد إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يُسَفَّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة ، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته مُلتبساً ، ألا ترى الخضر (عليه السلام) لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام) فعله؟ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي. هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلاّ قُتِل" [4].

ثانيا: ذكر زيد بن وهب الجهني أنّه بعد أن جُرح الإمام (عليه السلام) في المدائن ، سألته عن موقفه الذي سيتّخذه في هذه الظروف ، فأجاب (عليه السلام) : " أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء ، يزعمون أنّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي ، والله لأن آخذ من معاوية عهداً  أحقن به دمي وآمَن به في أهلي خيرٌ من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي ، والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سِلْماً ، فو الله لإن اُسالمه وأنا عزيز خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسيره أو يَمُنّ عليّ فتكون سُبّةً على بني هاشم إلى آخر الدّهر ، ومعاوية لا يزال يَمُنُّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت ..."[5].

ثالثا : عن سبب الصلح كما روى القندوزي في " ينابيع المودة " أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) ألقى في الناس خطاباً جاء فيه : " أيّها الناس قد علمتم أنّ الله جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدَّي وأنقذكم من الضلالة ، وخلّصكم من الجهالة ، وأعزّكم به بعد الذلّة ، وكثّركم به بعد القلّة ، وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه ، فنظرت لصلاح الاُ مّة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا من سالمني وتحاربوا مَن حاربني ، فرأيتُ أن اُسالم معاوية وأضعَ الحرب بيني وبينه ، وقد صالحته ورأيتُ أنّ حقن الدماء خيرٌ من سفكها ، ولم أرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم (وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين)" [6].

يتضح لنا من ذلك ان سبب تنازل سبط النبي الاكرم الامام (عليه السلام) عن الخلافة لمعاوية كان نتيجة لتضعضع جيشه وخيانة بعض قادته ورؤساء قبائل أهل الكوفة، بالإضافة الى حقن دماء المسلمين حيث لا تجدي الحرب مع الفئة الباغية، فضلا عن ذلك خفيت الاسباب الحقيقية التي كانت تكمن وراء الموقف الالهي الذي اتخذه الامام المعصوم على كثير من الناس المعاصرين للحدث.

جعفر رمضان

[1]أبو صادق سليم بن قيس الكوفي ، كتاب سليم بن قيس ، تحقيق: محمد باقر الأنصاري ، ص 188 .

[2] محمد جواد فضل الله ، صلح الإمام الحسن ، (بيروت: دار الغدير، 1392 هـ) ، ص 75.

[3] ابن شهراشوب ، مناقب آل أبي طالب ، تح: لجنة من أساتذة النجف ، (النجف : مطبعة الحيدرية، 1375هـ)، ج3 ، ص 195 .

[4]أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق، علل الشرائع ، (النجف: مطبعة  الحيدرية، 1385 هـ)،ص200.

[5] احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج ، تحقيق: محمد باقر الخرسان ، (النجف: مطبعة النعمان، د ت)، ص148.

[6] سليمان بن إبراهيم القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربى ، تحقيق: علي جمال اشرف الحسيني ، (قم ، مطبعة أسوة، 1416 هـ)، ص293.
........
انتهى/ 278