وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : khamenei.ir
الأربعاء

٦ مايو ٢٠٢٠

٨:٠٣:٥٠ ص
1034042

ربيع القرآن

الدّرس القرآني الحادي عشر؛ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا

المشكلة في عملنا نحن البشر تكمن في أنّنا نغفل عن خطئنا والمبادرة لإصلاح أنفسنا. كلّ شيء يصلح عندما تزول هذه الغفلة ويحلّ العزم محلّها. ففي المرحلة الأولى نصلح نحن، والمرحلة الأخرى هي الاستغفار والإصلاح الاجتماعي؛ علينا أن نُصلح المسار والهدف الجمعيّ والأداء العامّ ضمن نطاق قدراتنا؛ وهذا هو أبرز نموذج لتأثير الاستغفار، والمفهوم والمضمون الحقيقيّ للاستغفار.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ـ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.

وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
هود ﴿٣﴾

حاجة الجميع إلى الاستغفار
إنّ الله تعالى يأمرنا دائماً ـ في القرآن الكريم كما مرّ في الآية المتقدمة ـ بالإستغفار والتوبة. والتوبة تعني: الإنابة الى الله تعالى، وإنّ هذه الإنابة تتحقق على صعيد الإيمان وعلى صعيد العمل والسلوك، وإننا غير معصومين من الذنوب وعلينا إصلاح أنفسنا بالدرجة الأولى.
قال تعالى في أوائل سورة هود:«بسم الله الرحمن الرحيم. الَۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ» (۱). أي أنّ القرآن الكريم بعد أن يذكر التوحيد ـ باعتباره أهم الأهداف من خلق الإنسان ـ يذكر بعد ذلك مباشرة الأمر بالإنابة الى الله تعالى وطلب المغفرة منه.
إنّ مسألة التوبة والإستغفار تشمل جميع طبقات البشر، من أعلى مستوى ـ المتمثل بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ الى أدنى المستويات؛ إلا أن الإستغفار من الذنوب عندنا شيء، وعند الأبرار والمقربين شيئاً آخر، ـ لا تقس عمل المطهرين مع عملك ـ.
فكما نحن محتاجون للإستغفار، فهم محتاجون إليه أيضاً؛ لأنّ الجميع يقع في دائرة الإمكان ـ (إنّ الذنوب لا تفارق الموجودات الممكنة في كلا النشأتين، والله أعلم) ـ فالمقرّبون والأبرار محتاجون للإستغفار والإنابة بالمقدار الذي يناسبهم، من أجل جبران النقص والتقصير النسبي الذي تعرّضوا له. الاستغفار يتيح الاستفادة الحسنة من الحياة.
لقد جاء في أحدى الروايات: «ادفعوا أبواب البلایا بالاستغفار» (۲) وجاء في الآية المتقدمة قوله تعالى: «یمتّعکم متاعاً حسناً»؛ وشروط تحقق ذلك إنّما يكون بالإستغفار والتوبة وطلب العفو من الله تعالى.
 وجاء في رواية أخرى: «خیر الدّعاء الأستغفار» (۳)؛ . وجاء في المناجات الشعبانية: «إلهي ما اظنّك تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك» (٤). فما هي هذه الحاجة التي أفنيت عمري في طلبها منك؟ هي طلب المغفرة والعفو الإلهي.

مراحل الاستغفار
إنّ الإشكال في عمل الإنسان هو الغفلة عن الذنوب، وعن وجوب الإصلاح و القيام بإصلاح النفس، إلا أنه لو زالت هذه الغفلة وتحققت الإرادة والتصميم فسوف تنصلح جميع أمور الإنسان.

علينا في أول الأمر أن نصلح أنفسنا ـ وهي المرحلة الأولى التي تعتبر من أكبر الوظائف ـ وهذا هو الأساس. أما بالنسبة الى مسألة الاستغفار والإصلاح الاجتماعي ـ الذي يعتبر من أكثر مصاديق الاستغفار تأثيراً على حياة الإنسان بل هو المفهوم والمحتوى والمضمون الواقعي للاستغفار- فيجب علينا أن نقوم بإصلاح مسيرتنا وهدفنا الإجتماعي على قدر ما نستطيع، وعلينا أن لا نعتبر هذا الأمر أمراً صعباً، فمن خلال الإرادة يمكن أن تذلّل الصعوبات. لقد كنا نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي في هذه الليالي: «وأنّ الراحل إليك قريب المسافة»؛ إنّ أهم الأمور هو الارادة والإقدام وشحذ الهمم. «وإنّك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك». (٥) نحن نبعّد المسافات بأيدينا وبذنوبنا بيننا وبين الله. إنّ الطريق الى الله قريب المسافة، وإذا ما وفقنا فإنّ توفيقنا هو دلالة على رحمة الله تعالى. إذا استطعتم أن تستغفروا من أعماق قلوبكم وتصلحوا أعمالكم، فسوف يشملكم الباري برعايته، ويقربّكم ويحببكم إليه.
إنّ الله تعالى ينسب التوبة في القرآن الكريم الى ذاته المقدسة في كثير من الآيات المباركة كما في قوله تعالى: «ثمّ تاب علیهم لیتوبوا»؛ (٦) فما هو معنى التوبة؟ التوبة تعني: الإلتفات والإنابة، وبسببها يرعاكم الله تعالى بعطفه، من أجل أن تميل قلوبكم إليه.

أنواع الذنوب

الف) الذنوب الفرديّة
يجب علينا الإستغفار من ثلاث أنواع من الذنوب، وهذا مهم بالنسبة لنا، فنحن نحتاج إليه من أجل القيام بإدارة أعمالنا، وإذا ما غفلنا عن هذه الذنوب فسوف تلحق بنا أضراراً كبيرة. أنواع الذنوب ثلاثة هي: النوع الأول: ظلم النفس ـ وذُكر ذلك في آيات وأحاديث كثيرة ـ وهو الذنب الذي يرتكبه الشخص ولا يضر به إلا نفسه، ويشمل الذنوب الفردية العادية المتعارفة.

ب) الذنوب الفرديّة ذات الأثر الاجتماعي
النوع الثاني: الذنوب التي يرتكبها الشخص، ويُلْحِق من خلالها الضرر المباشر بالآخرين، وهذا الذنب يعتبر أشد من ظلم النفس، مع أنّه يعتبر ظلماً للنفس أيضاً؛ إلا أنه بسبب كون الإعتداء على الآخرين الذي يتم من خلاله، فإنّ بشاعة الذنب تكون فيه أكثر وعلاجه يكون أصعب؛ من قبيل الظلم، والغصب، وسحق حقوق الآخرين، وسحق حقوق الإنسانية. إنّ الحكومات هي المسؤولة عن هذه الحقوق، وإنّ هضمها هو ذنب المسؤولين والسياسيين والشخصيات العالمية؛ وهذه هي ذنوب الذين تستطيع كلمة منهم أو توقيع، أو عزل أو نصب، أن تؤثر على عوائل، وأحيانا على شعوب بأكملها.

أمّا أنا وأنت إذا ما قُدّر لنا أن نبتلي بمثل هذا الذنب فسوف تكون دائرته أوسع، وكما ذكرت سابقاً فإنّ توقيعاً أو حكماً أو كلمة أو قضاء أو حركة تصدر منّا في مكان إتخاذ القرار يمكن أن يؤثر تأثيراً مباشراً على اُناس كثيرين. إنّ لمثل هذا الذنب إستغفاراً يناسبه، إذ إنّ الإستغفار الذي يناسب النوع الأول من الذنوب هو أن يطلب الإنسان المغفرة من الله تعالى بقلب صادق. أما النوع الثاني من الذنوب فلا يكفي فيه الإستغفار فقط، بل لا بد للإنسان من جبره وإصلاحه.

ج) ذنوب الشعوب الجماعيّة
النوع الثالث: الذنوب التي ترتكبها الشعوب. فالذنوب ليست متوقفة على أن يرتكب أحدهم ذنباً ويتضرر منه بعض النذاس، بل أحياناً تبتلى إحدى الشعوب أو مجموعة من الأفراد المؤثرة على شعب آخر بالذنب. وهذا الذنب له إستغفار يناسبه أيضاً. تجد أحياناً شعباً ما يسكت عن المنكر والظلم لسنوات عديدة ولا يبدي أي رد فعل تجاه ذلك، وهذا أحد الذنوب أيضاً، ولعله أعظمها، ويبيّن ذلك قوله تعالى:«إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (۷) إنّ هذا الذنب هو الذي يزيل النعم الكبرى.

«وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً»(۸)؛ في بعض الأحيان تكون العقوبة جماعية ـ رغم أنّ مرتكبي المعصية هم فئة خاصة، ولم يكن الجميع قد شاركوا بارتكاب المعصية بصورة مباشرة ـ لكون الفعل هو فعل جماعي، وعلى أثره أصبحت العقوبة عامة وشاملة. إنّ الشعب الإيراني تحدى الموت، وتصدّت صدور أفراده للحيلولة دون تقدّم الدروع التابعة لمحمد رضا بهلوي في يوم من الأيام، وقام بتغيير موقف الصمت المشوب بالمعاصي إزاء ما يفعله الأعداء والعملاء لمدة خمسين سنة؛ مما جعل الله تعالى يثيبه على ذلك بأن سقطت الدولة الجائرة، وجاءت حكومة شعبية على رأس السلطة، وانقطعت العلاقات السياسية المشينة، وبدأت الحركة الإستقلالية، وما زالت هذه الحركة مستمرة وستستمر إن شاء الله تعالى، وسيصل هذا الشعب بهمته وعون الله تعالى الى تحقيق أهدافه. إذاً فللنّوع الثالث من الذنوب إستغفار يتناسب مع طبيعته أيضاً. (۹)

الهوامش:

۱) سورة هود؛ الآيات ١-٣
۲) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج٥، ص٣١٨. «ادْفَعُوا أَبْوَابَ الْبَلَایَا بِالِاسْتِغْفَارِ»
۳) الكافي، ثقة الإسلام الكليني، ج٢، ص٥٠٤، ح١. عن الإمام الصادق (عليه السلام): «خَیْرُ الدُّعَاءِ الِاسْتِغْفَارُ»
٤)  اقبال الأعمال، السيّد ابن طاووس، ص٦٨٥.
۵) مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ص٥٨٣.
٦) سورة التّوبة؛ الآية ١١٨
۷) سورة الرّعد؛ الآية ١١
۸) سورة الأنفال؛ الآية ٢٥
۹) كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مسؤولي النظام ٣٠/١٠/٢٠٠٥
.......
انتهى/ 278