وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ان الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشريفة قد اكدت اشد التأكيد على هذا الأصل من أصول العقيدة الإسلامية ، لما له من علاقة وثيقة بما تقدم وما أتت تطالب به من حقها ، حيث ارادت ان تذكرهم بنعمة الله تعالى عليهم من بعث الأنبياء (عليهم السلام) ودورهم في انقاذ العباد من الشرك والضلال بفضل دعوتهم وجهودهم وجهادهم ضد الطغاة والظالمين، وخصوصا ما كان يتعلق بنبوة خاتم المرسلين (صلى الله عليه واله ) لعتده القريب منهم، وآثار دعوته ما زالت قائمة فيهم ، ومقام اهل بيته ، للتفكير بهذا الأصل العقائدي الذي يجب علينا ان نؤمن به مطلقا سواء مع وجود الشخص النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) ام بعد فقده لأنه أسس للامة نظامها التشريعي، فلو تأملنا في كلماتها العظيمة التي تضمنتها خطبتها حول النبوة لرأينا صدق جهادها عن العقيدة الإسلامية المقدسة، فهي لم تتحدث بتلك الكلمات لأن النبي ابوها، بل لأن النبي هو رسول الله الى العباد وان النبوة هي اصل من أصول العقيدة، ويجب على المسلمين ان يصونوا هذه العقيدة من كل انحراف او زيغ، وهذه هي أسس دعوتها لهؤلاء القوم.
قالت (عليها السلام) :" وأشهد أنّ أبي محمداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور، ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عُكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها".
ففي هذه الكلمات تؤكد النبوة وما يتعلق به من العقيدة، وهذا هو اعتقادنا بالنبوة حيث اكدت المؤلفات في العقيدة الإسلامية ذلك ، ويقول العلامة المظفر :" نعتقد أن النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في انسانيتهم، يرسلهم إلى سائر الناس لغاية ارشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات وتعليمهم الحكمة والمعرفة، وبيان طرق السعادة والخير لتبلغ الإنسانية كمالها اللائق بها، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين، دار الدنيا ودار الآخرة". فهذه هي عقيدة المسلمين بالنبوة عامة، واما في النبي محمد (صلى الله عليه واله) فهو :" نعتقد ان صاحب هذه الرسالة الإسلامية هو محمد بن عبد الله ، وهو هاتم النبيين ، وسيد المرسلين، وافضلهم على الاطلاق، كما انه سيد البشر جميعاً، لا يوازيه في فضل ، ولا يدانيه احد في مكرمة، والا يقاربه عاقل في عقل ، ولا يشبه شخص في خلق، وانه لعلى خلق عظيم ، ذلك من اول نشأة البشر الى يوم القيامة".
فهذه هي العقيدة في النبوة وقد اكدت على ذلك الصديقة الطاهرة في كلامها من حيث أهمية النبوة وعظمتها في البعثة للناس، والوظائف التي يقوم بها، واهمها تعليم الناس طرق الهداية والصلاح، ودعوتهم الى طاعة الله تعالى، ونشر المبادئ الإلهية بينهم، وفي ذلك إشارة لما ورد في القرآن الكريم حيث قال تعالى(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ) وقال الله تعالى :( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، فالزهراء (عليها السلام) تؤكد ملامح وجوده وبركاته في الامة بعد اسلامها، وذكرت بعض الصفات التي كانت الامة عليها قبل بعثته(صلى الله عليه واله) فيهم ومنها تفرق الامة في اديانها ومعتقداتها، وانكارها لعظمة الخالق ووحدانية جحودا ، وابتعادها عن عبادة الله تعالى الى عبادة سواه من الاوثان والاجرام والاحجار وغيرها فضلا عن الضياع والانحراف عن طرق الهداية والصلاح، والسير في الغواية والعماية، والذل والهوان الذي كان الناس عليه ...فذكرت بعض أحوال الامة قبل بعثة النبي (صلى الله عليه واله) اليهم والتي منها :-
تفرق الامة في اديانها وعقائدها وعباداتها وانكارهم لعظمة الخالق ووحدانيته..
الضياع والانحراف عن طرق الهداية والصلاح والسير في الغواية والعمى...
الذل والهوان الذي كان الناس عليه من القتل والتشريد والعبودية للآخرين.. فهذا يحمل أوضاع الامة قبل بعثة النبي (صلى الله عليه واله) بل هو حال كل امة قبل ارسال الرسل اليهم.
ثم استعرضت (عليها السلام) بعد ذلك آثار النبوة في الامة بعد ان كانت تلك احوالها وصفاتها، فقالت:" فأنار الله بأبي محمد(صلى الله عليه واله) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلّى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم"، فكانت من اهم ادواره التي قام بها النبي (صلى الله عليه واله) بعد بعثته:
اخراجهم من الظلمات الى النور، ومن كل أنواع وصور الظلمات الى نور التوحيد والعبودية لله، وهذا مصداق قولة تعالى :( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، بل شبه الله دعوته وقرآنه بالنور الذي فيه الهداية والصلاح فقال تعالى :( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
أزال عن القلوب وساوس ومعتقدات الباطل والشك والكفر والالحاد، فصارت تلك القلوب محطا لأنوار الله تعالى والحكمة، والعلم والمعرفة بالقرآن الكريم ومعارفه وآياته وانواره .
بين لهم الصراط السوي الذي يوصل طاعة الله تعالى ورضاه، وسعادتهم في الدنيا والاخرة، ونبذ كل معبود سواه، وان هذا لا يكون الا باتباع الصراط المستقيم حيث قال الله تعالى :( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
كشف عن الابصار العمى والغشاوة التي حصلت اليهم بسبب الشرك والالحاد والبعد عن الله تعالى، فصاروا ينظرون ويتفكرون في آياته وآلائه التي تدل بدقة على عظمة الخالق في خلقه ووحدانيتة، وقد أشار تعالى الى ذلك في عدد كبير من آياته المباركة، حيث قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بل دعاهم القرآن لأزاله تلك الحجب التي اعمت بصرهم وبصيرتهم من خلال التفكير في المحيط الذي يعيشون في آناء الليل واطراف النهار فقال تعالى :(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).
ان الزهراء (عليها السلام) من خلال ذكرها لهذه المعاني في كلماتها عن النبوة تريد ان تؤكد على أمور مهمة عده، لئلا تعود الى الناس جاهليتها بعد وفاه نبيها (صلى الله عليه واله) ومن اهم ذلك:
ان النبوة أصل من أصول العقيدة الإسلامية المقدسة، وعلى المسلمين الالتزام بها وصيانتها، لئلا تنصدع اركان الرسالة الإسلامية.
ان النبي (صلى الله عليه واله) قد أدى رسالته بكل ما اوتي من قوة، فضحى بكل شيء من اجل هذا الهدف المقدس ورفع هذه الامة فوق الأمم، ويجب على الامة ان تحافظ على هذا المجد الإلهي بالحفاظ على الشريعة من دون ان تتلاعب فيها الاهواء والاغراض والمصالح.
ان النبي (صلى الله عليه واله) قد بلغ رسالة الله تعالى الى امته وبوجوب مودة اهل بيته الذين هم امان لأهل الارض من الغرق والضياع، كما ورد ذلك في الآيات والأحاديث ويجب عليكم ان تحافظوا على هذه الأمانة، لا ان تقهر وتظلم وتقتل بين ايديكم بمرأى ومسمع فيحل عليكم غضب من الله.
فهذه اهم الموارد التي أردنا ان نسلط عليها في حديثها (عليها السلام) حول النبوة، فلقد كان لمسألة التعرض للنبوة اثر واضح وكبير في خطبتها، لما له من اهتمام من قبل الله واثر في صيانه المجتمع من الزيغ والانحراف في العقيدة الإسلامية المقدسة.
.......
278
المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الخميس
٢٦ مارس ٢٠٢٠
١٢:٤٨:١١ م
1020722
ان الباحث عند دراسته لهذه الخطبة لسيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) يرى بوضوح ان من الفقرات المهمة التي تضمنتها خطبتها هو التأكيد على مسائل عقائدية لها علاقة بالشريعة المقدسة ، ويجب على الانسان المسلم الايمان واليقين بها، لأنها تمثل جوهر الدعوة الإسلامية القائمة على التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد، فلو تأملنا في هذه الكلمات لرأينا ان السيدة(عليها السلام) لم تغادر هذا الجوهر لمعتقد المسلمين وأكدت عليه، ونحن نحاول ان نستقرئ تلك الموارد – النبوة نموذجا- لبيان أهميتها، واهمية قراءة كلام اهل البيت (عليهم السلام) قراءة تحليلية ودقيقة.